سياسي يتذكر الحلقة الأخيرة
12 ايار
المصري: لم أؤمن بغير الصراحة والوضوح مع صاحب القرار (فيديو)
محمد خير الرواشدة
عمان- يختتم رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري سلسلة حلقات "سياسي يتذكر"، التي كانت "الغد" بدأت بنشرها في العشرين من نيسان (إبريل) الماضي، وتسدل الستارة على آخر حلقاتها مع المصري اليوم.
وتنشر "الغد" بالتزامن مع الحلقة الأخيرة من "سياسي يتذكر" مع المصري، تسجيلا فيديويا يُلخص فيه أبرز المحطات خلال مشوار حياته، ويجدد فيه التأكيد على ثبات مواقفه من القضايا، التي كانت مثار جدال ونقاش طيلة أيام نشر الحلقات.
كما يبين المصري في الفيديو جانبا من مشروعه في كتابة مذكراته، التي سيتوسع فيها بشرح مواقف مرت خلال مشواره السياسي، ويكشف فيها المزيد من التفاصيل السياسية، التي تتعلق بمواقع عامة اختبرها.
كما يرد المصري على بعض الانتقادات التي وجهت له على بعض المضامين، التي جاء على ذكرها خلال أيام نشر الحلقات، ويفند بعض المواقف التي أُخذت عليه.
واليوم يصل المصري في نهاية حديثه الى بدايات الربيع العربي، وما أبرز مضامين الفرق الكبير، بين الربيع العربي والربيع الأردني، وما متطلبات الخروج من تداعيات الربيع العربي، عبر تقديم وجبة إصلاحات حقيقية، تسبق مطالب الشارع وتعبر عن تطلعاته.
وكان المصري تحدث في الحلقة السابقة عن تداعيات حرب العراق، واستهداف الإرهاب للأردن. وتحدث كذلك عن التغييرات التي لحقت تفجيرات فنادق عمان، وكيف كان لرجال تلك المرحلة الأثر في زيادة مساحات الاستقطاب السياسي.
وقدم المصري وصفا للأجواء العامة للبلاد بالقول: "قد أعطي الطابع الأمني أولوية، وصلاحيات أوسع، وقد كان ذلك على حساب الطابع السياسي لمؤسساتنا الرسمية، وهي صلاحيات واسعة، وتمت ممارستها بشكل خلق حالة من الاستقطاب. وهي استقطابات ليس لها أي محتوى سياسي، لأنها لم تكن استقطابا سياسيا أصلا".
واليوم يستزيد المصري في توضيح موقفه من قانون المطبوعات والنشر، الذي كان للمصري موقف من المادة 23 منه، وهو رئيس لمجلس الأعيان، وأرجأ مناقشة القانون لدورة لاحقة، حتى لا تتأثر سمعة الحريات بالأردن، خصوصا بعد إقرار التعديلات الدستورية، وحتى لا يكون إقرار ذلك القانون مأخذا على الإصلاحات.
ويتناول اليوم مرحلة توليه رئاسة لجنة الحوار الوطني، وكيف توصلت لمعادلة توافقية على أهم ملامح الإصلاحات المطلوبة، وأبرز التوصيات على قانوني الانتخاب والأحزاب.
وفيما يلي التفاصيل:
- كنت اختتمت الحلقة السابقة، بالحديث عن "مفهوم عدم الرضا عن السياسات والقرارات، الذي صار يسري بين الناس، وعبأ هذا الشعور بعدم الرضا عند المواطن؛ التغيير السريع للحكومات والوزراء، وعدم الاستقرار في أكثر من مستوى من مستويات السلطات الدستورية"، هل تُنظر بهذا الرأي لانطلاق بداية مرحلة ما بات يُسمى بـ"الربيع العربي"؟
-التغييرات السريعة في مستويات القرار، والقرارات والسياسات الارتجالية، من قبل بعض المسؤولين، الذين تنقصهم الخبرة والمعرفة، والملاحظات الكثيرة، التي صار يبديها المجتمع علنا، وهي ملاحظات تأتي مشبعة بعبارات عدم الثقة وعدم الرضا، كلها أجواء كانت موجودة، وعندما جاء الربيع العربي، وجد أرضا خصبة، ووجد فيه الناس حاجة لتنفيس الضغط، الذي يعانون منه.
طبعا، في الأردن قد لا تكون هذه الأجواء، أو هذا التحليل، مطابقا، لكن في دول الربيع العربي في مصر وتونس واليمن، قد يكون مطابقا تماما.
لكن عندنا، قد نكون تأثرنا بمعركة الإعلام والحرية، وكانت تأخذ تأثيرها الشديد في المجتمع الأردني، وبعضها كان سلبيا، وهذا فيما يتعلق بالأخبار، التي تذاع مشوهة، وفي ممارسة اغتيال الشخصيات وتشويه الحقائق، وهذا طبعا إجرام بحق الوطن.
أما فيما يتعلق بالشق الإيجابي، فقد استفدنا من أجواء الربيع العربي، على مستوى الحريات الإعلامية، من خلال قدرة الإعلام على كشف المعلومات وارتفاع سقف الحريات نسبيا.
لقد دخلنا في الأردن إلى مربع من الخلافات الحادة، حيال التشريعات الإعلامية، التي تتقدم بها الحكومات المختلفة، إلى أن كان هناك خلاف بين جهات مدنية ورسمية، فالأخيرة تريد أن تبقي القبضة الأمنية على الإعلام، ولا تريد الدخول في تطور مفهوم عصر المعلومات، والأخرى تريد ان تفتح الآفاق للإعلام ووسائله، وثالثة تريد أن يتأقلم الإعلام مع واقعه، وكان هذا الصراع يدفع برأي الأمني للمقدمة، فيما يدفع مرات اخرى رأي السياسي للمقدمة، ولذلك لما جاءت أفكار لجان الأردن أولا، والاجندة الوطنية، وكلنا الأردن، ولجنة الأقاليم ولجنة النزاهة الوطنية، وأخيرا لجنة الحوار الوطني، كان مطلوبا منها صناعة التوافق.
لكن كانت هناك قناعة من قبل أعضاء هذه اللجان، ومن قبل الشارع بأن هذه اللجان هي فقط لامتصاص الآخر، واستيعابه لكن من دون تنفيذ رغباته.
وتأكيدا لذلك، ففي الغالبية العظمى لهذه اللجان الملكية، لم يتم الأخذ بمقترحاتها، بل إن واحدة من هذه اللجان؛ وأظنها لجان كلنا الأردن، توقفت قبل أن تنتهي من أعمالها، ورُفعت جلساتها بشكل سريع، وتم إغلاق الملف من دون نتائج.
- لكنك وفي ظل هذه الاحباطات، عدت رئيسا لمجلس الأعيان، ورئيسا للجنة الحوار الوطني في فترة صعبة ومعقدة، وكان لك أيضا مواقفك من داخل هذه المؤسسة؟
-لقد جئت رئيسا لمجلس الأعيان بعد قرار سياسي، بتغيير رئيس مجلس الأعيان، وكنت مرشحا لهذا المنصب، بحكم التقاليد السياسية، وأيضا الجغرافية؛ إذا أردت اعتبارها كذلك، لكن بناء على ما ذكرته لك سابقا، فقد كان النظام يعلم جيدا طبيعة تكويني الفكري ومواقفي الثابتة من الإصلاح، وتوجهاتي الصادقة في هذا الاتجاه، وأنا بقناعتي الراسخة بأن هذه الأفكار كلها هي التي تخدم النظام، واستقرار البلاد، وتدعم مسيرتنا نحو التقدم.
لم اتفاجأ بتعييني رئيسا لمجلس الأعيان، فأنا لم أعين بالظلام، لكني أرسلت كتاب شكري لجلالة الملك على ثقته الغالية، وحددت له بوضوح مفاهيمي للتشريع ومدى التزامي بالأهداف الإصلاحية، التي ينادي بها جلالته، وقد كنت واضحا في كل مرة أُكلف فيها بمسؤولية، فقد كنت أذكر بقناعاتي في العمل العام، وخدمة النظام السياسي من منطلق الإصلاح الشامل المتدرج والمتطور والمستمر.
حتى إني أعدت التذكير بهذه القناعة أمام جلالة الملك، في احتفال عيد الاستقلال، كما أضفت مفاهيم واضحة عن الإصلاح، وأهمية معالجة الاختلالات، وحذرت من الخطر القادم على الإقليم، وأهمية تحصين وضعنا الداخلي بالإصلاح والتحديث والتطوير، وكنت ألقي هذا الخطاب أمام الملك ورجالات الدولة، ولم أكن لأغير مواقفي، بين ما أقوله والتزم به أمام الملك، وبين ما أقوله في الاجتماعات المغلقة، لأني لا أؤمن بغير الصراحة والوضوح مع صاحب القرار ورأس الدولة، فالمسألة لا تحتمل الخداع أو التضليل، لأن كل مسائلنا هي قضايا بحجم الهم الوطني، والتحديات التي تحيط بنا.
وفعلا بدأت الأحداث في تونس، وكما هو معروف، كانت أهمية الحدث في تونس لغالبية الناس، أن حكم زين العابدين بن علي، وإن كان حكما بوليسيا بامتياز، إلا أنه أدى إلى وضع اقتصادي جيد، وضبط الأمور الداخلية بنجاح، ولم تكن هناك أي مؤشرات ظاهرة على السطح بأن الشعب غير راض عن حاكم بلاده، أو أن لديه هذا الحجم الكامن من الغضب، الذي انفجر فجأة وأدى إلى النتيجة التي نعرفها جميعا.
وبعد أيام من انفجار الأوضاع في تونس، انفجرت الأوضاع في مصر، وكانت هذه مفاجأة جديدة، صحيح أننا نعرف حجم الوضع السياسي المتأزم في مصر، لكن المفاجأة كانت بتسارع الأحداث هناك، وانتصار الثورة المصرية ضد حكم مبارك.
في تلك الأثناء، ومع تفاعل الأحداث في مصر؛ اجتمعنا في لقاء رسمي مع جلالة الملك، وكان بحضور شخصيات سياسية وأمنية رفيعة، وكانت وجهة نظري، التي قلتها صراحة ومن دون أي مواربة أو تردد، بأن الله أعطانا فرصة لنتعظ مما حدث في تونس، وكرر الفرصة لنا، لنتعلم مما حدث في مصر، وقلت إنه، وبتقديري، فإن هناك جهات دولية ودول قرار؛ تعمل على سحب (الفيش) من بعض الأنظمة العربية لأنها تريد تغييرها، وهي مسألة قد تهددنا جميعا.
وذكرت في ذات الاجتماع ما حدث في تجربة سابقة، عندما قام رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف بزيارة الدول الاشتراكية، وكان يسحب الثقة من كل نظام يزوره، لينهار الاتحاد السوفياتي بالنتيجة، ولم تمض أسابيع، حتى سقطت كل الأنظمة الاشتراكية، وهذا ممكن، أن يحدث أيضا في العالم العربي.
وقلت: نحن في الأردن لدينا فرصة؛ لأن الشارع لا يطالب إلا بالإصلاح، وأن الكل يُجمع على شرعية النظام الملكي، وعلينا أن ندرس الأحداث بعناية وعمق ونستخلص العبر، ونقدم للشعب برنامجا استراتيجيا بعيد المدى، بحيث أن نسبق تطلعات المواطن، ونقدم له ما هو متقدم على مطالبه، لأن الشارع يريد إصلاحا وتغييرا، لكن التغيير الذي يريده الشارع، ليس تغيير اشخاص، بل تغيير النهج والسياسات، وربما بعض الأشخاص، وكان رجال الدولة موجودين في اللقاء، وكان من بينهم رئيس الوزراء وقتها سمير الرفاعي، وقلت رأيي بصراحة؛ وشرحت موقفي في موضوع الفرق بين الربيع العربي والربيع الأردني، لأننا في الأحداث التي مرت على المنطقة، منذ منتصف القرن الماضي، فقد كان لنا خصوصية عن باقي دول الجوار والمحيط، وكان لنا مزايا عنهم أيضا؛ وأهمها حقيقة الوحدة الوطنية بيننا جميعا، وجوهر الحفاظ على سلمنا الأهلي هو عقيدة لدى المواطن ولدى المؤسسات الرسمية. حتى عندما كُلفت برئاسة لجنة الحوار الوطني، كان هذا ما يدور في ذهني.
- ومع كل ذلك كنت في رئاسة مجلس الأعيان، تواجه ضغوطا سعت لتحجيم برنامجك في الإصلاح، وقد كان ذلك واضحا في بعض التشريعات، والمماحكات التي جرت حول قانون المطبوعات والنشر مثلا؟
-في موضوع التشريعات، بذلنا جهدا كبيرا في جعل التشريعات تتناسب مع الحقبة الجديدة في سياق الربيع العربي. وقد قام مجلس الأعيان بدوره المحمود، ونجحنا في بعض الأحيان، ولم ننجح في أحيان أخرى، وكان لهذا ظروفه الموضوعية والسياسية أيضا.
ومن المواقف التي استطاع مجلس الأعيان أن يؤثر فيها بشكل إيجابي داعم للإصلاحات المنشودة، ما جرى حول قانون المطبوعات والنشر، فقد كان لمجلس الأعيان موقف تشريعي داعم للحريات، وقد كان هناك جدال عميق حول المادة 23 من القانون، والتي كانت عنوانا أو مفهوما لمصادرة الحريات، وكان لنا موقف واضح من هذا التشريع، وهو بأنه لا يليق بدولة ديمقراطية، أن يُقر فيها مثل هذا التشريع، خصوصا وأن القانون سيصادق عليه بعد يوم واحد من إقرار التعديلات الدستورية، وقد جاءنا القانون من مجلس النواب، وكنا في اليوم الأخير من أيام الدورة الاستثنائية، فخشينا أن تتأثر سمعة الإصلاحات التي يريدها جلالة الملك ويطالب بها الشارع، وأن يكون هذا القانون مأخذا كبيرا على مجمل العملية الإصلاحية، خصوصا وأن من يريد أن ينتقد سياسة ما فما عليه إلا أن يأخذ الجزء ويترك الكل، وبالتالي ينتصر الانطباع بأننا دولة ترفض الإصلاح.
بعد التشاور مع العديد من الزملاء الأعيان، كان اجماع الحاضرين منهم بأن تمرير المادة المذكورة في القانون، سيوقع ضررا كبيرا بصورة وسمعة الأردن، وستقوم مؤسسات دولية باعتبار القانون مأخذا على الحريات.
قررت بعد دراسة كل هذه الظروف السياسية، بأن من الأفضل للمصلحة العامة وسمعة التعديلات الدستورية، التي أقرت، وأيضا لقناعاتنا في المجلس بأن المادة تقيد حرية الكلام، وخاصة أننا نعتبر مكان وجودها ليس في قانون المطبوعات والنشر، بل في قانون العقوبات، قررت أن لا نبحث هذا القانون في آخر جلسة لنا، في الدورة الاستثنائية، وتأجيله لوقت لاحق، وقد أغضب هذا القرار بعض الجهات، وحسب الأمر بمجمله نقطة ضدي، وليس لصالحي.
- لكن الملك اجتمع بالأعيان، واستمع لوجهة نظركم في اليوم التالي لهذه الجلسة؟
-صحيح؛ ففي اليوم التالي من آخر أيام الدورة الاستثنائية، وكان يوم خميس، اجتمع جلالة الملك في الديوان الملكي، صباح يوم الجمعة مع مجلس الأعيان، وشرحنا له الأسباب والموقف من المادة المذكورة في قانون المطبوعات والنشر. وقد أيد جلالته وجهة نظرنا، ووافق على أن المكان المناسب لها هو قانون العقوبات، وتم ذلك في الدورة العادية التي تلتها، وأصبح مجلس الأعيان محط أنظار الإعلام المحلي، والمؤسسات ومنظمات الإعلام بعد انتصاره لحرية الحق في التعبير.
- خلال رئاستك لمجلس الأعيان، كلفت برئاسة لجنة الحوار الوطني، وكان لك تجربة أخرى مع توصيات لجنة، لم يؤخذ بتوصياتها، مع أنك قبلت برئاستها بتكليف من رئيس الحكومة وقتها معروف البخيت وليس الملك؟
-فعلا، صدر قرار مجلس الوزراء باختياري رئيسا للجنة الحوار الوطني، ثم قمت بتأليفها بعدد مفتوح وأجندة محددة.
اتصل بي رئيس الوزراء معروف البخيت، وقال لي، بأنه تم اختياري لأسباب تتعلق بي وبشخصيتي. وعندما جلست مع البخيت، اقتنعت بأننا سنقوم بعمل مهم على المستوى الوطني، وانه سيكون لي مطلق الحرية في اختيار الأعضاء، الذين بذلت جهدا في اختيارهم.
صحيح أن لي اعتبارات في المجتمع السياسي، وهي اعتبارات مهمة، لكني لم أتأثر بها، إذا كانت الخدمة وطنية وجادة وصادقة، لذلك لم اتوقف عند بروتوكول اختياري، وأنا رئيس لمجلس الأعيان، من قبل رئيس الحكومة، لأكون رئيسا للجنة.
كما أن اختياري لمهمة رئاسة لجنة الحوار الوطني، كان لصفتي الشخصية، وليس السياسية كرئيس لمجلس الأعيان.
وهو موقف مخالف لموقفي من عضوية لجنة الأجندة الوطنية، برئاسة مروان المعشر، فقد سمعت اسمي في عضوية اللجنة عبر المذياع، وأنا جالس في سيارتي. واتصلت فورا بسمير الرفاعي، وكان وزيرا للبلاط، واعترضت على تجاوز البروتوكول السياسي، في رئاسة اللجنة من قبل مروان، وهو يحمل لقب معالي، وأنا عضو فيها وأحمل لقب دولة.
لكن في لجنة الحوار الوطني كان الظرف مختلفا، والمسؤولية كبيرة، وقد دعم الملك جهدنا في رسالته، التي وجهها لنا مع بدء اجتماعاتنا، ولقد استفدت كثيرا من العمل في اللجنة وقدمنا أفكارا ممتازة.
- اللجنة قاطعها الإسلاميون، ولم تأخذ بها الدولة، فما قيمة التوافق عليها إذن؟
-لقد كانت لجنة الحوار الوطني تجربة مهمة، في جمع مكونات المجتمع السياسي، على أهداف وأفكار مشتركة، للسير على برنامج وخطة ومسار إصلاحي متكامل ومُتوافق عليه.
لقد صدرت وثيقة لجنة الحوار الوطني في ظل أجواء توافقية، بين نحو 50 شخصا، يمثلون اللون السياسي الكامل للشارع الأردني، ولقد كان التوافق مهما في تلك المرحلة، وكان يجب أن يكون عنوانا رئيسا في الحياة السياسية، خصوصا وأن مخرجات اللجنة كانت محط توافق في وقت استعصت فيه كل محاولات التفاهم والتوافق بين كل مكونات الحياة السياسية الأردنية.
ويزعم أعضاء اللجنة، بتشكيلتها وتوجهاتها، بأنهم استطاعوا امتصاص وتهدئة الشارع الأردني، خلال فترة كانت مزعجة، من حيث فوضى الحراكات في الشارع، وفوضى المطالبات الإصلاحية، التي بدأت تتعارض فيما بينها، فبعد أن دخلنا في حالة فوضى من المطالب كان من شأن توصيات لجنة الحوار الوطني أن تكون عنوانا جامعا ومقبولا للجميع، وعندها قد ندخل جميعنا العملية السياسية متوافقين على العناوين، ومن ثم ومن خلال المشاركة باستطاعتنا التطوير شيئا فشيئا.
لم تكن اجتماعات ومخاضات لجنة الحوار الوطني أمرا ترفيا أو فائضا عن الحاجة؛ بل على العكس كان عملا وطنيا يدخل في صلب الأمن الوطني الأردني، فلم تتوقف الأمور عند الحراكات في الشارع الأردني ومطالبها التي بدأت "تخزق" السقوف، بل ايضا كانت التحركات في الإقليم تنذر بمخاطر كثيرة، إن لم تؤثر علينا مباشرة، فقد تصيبنا بأضرار غير مباشرة، كتداعيات استقبال اللاجئين السوريين، والتهديد الأمني على الحدود الشمالية، وتباطؤ مسار الحل السياسي للقضية الفلسطينية، واستمرار فوضى العراق، وتأثر حدودنا الشرقية أيضا.
لقد حاولت لجنة الحوار الوطني وضغطت باتجاه مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في أعمال اللجنة، والمشاركة في صياغة الأفكار والمبادئ والتوصيات، وكنا نريد من مشاركتهم مساعدتنا على تهدئة الشارع، وترشيد خطابه السياسي، لكنهم، وبعد موافقتي على وضع جدول اعمال يراعي ويلبي مطالبهم؛ اعتذروا مرة أخرى، وتخلفوا عن المشاركة، وهذا قرارهم طبعا، لكن الأمر لم يؤثر علينا وأكاد أجزم بأننا اقتربنا من تطلعات جميع القوى السياسية والشعبية في مخرجات لجنة الحوار، وبظني لو تم التعامل معها بجدية لكانت الحياة السياسية في الأردن حققت تقدما أكثر من التقدم الحاصل اليوم.
بالنسبة للحكومة؛ فقد أضاعت حكومة عون الخصاونة، وقتها، فرصة الأخذ بتوصيات لجنة توافقت على خريطة طريق للإصلاحات المطلوبة، وهي خريطة توافقية، من شأنها أن تؤثر على حياتنا السياسية وتطورها، وتترك الانطباع الإيجابي في تغيير نهج السياسات الرسمية في التعامل مع القوانين الإصلاحية.
لكن بالأخير لم يؤثر إهمال توصيات لجنة الحوار الوطني علينا كأشخاص، بل أثرت على الثقة في التعامل مع مثل هذه الأفكار، واللجان والمبادرات ومخرجاتها، حتى صارت هناك قناعة لدى الجميع، بأننا نعمل في مثل هذه المجالات، ليبقى عملنا محمولا على رفوف المكتبات، وفي أدراج المكاتب.