سياسي يتذكر الحلقة الواحدة والعشرون
11 ايار 2014
المصري: تفجيرات عمان كشفت حقيقة التلاحم الشعبي الأردني
محمد خير الرواشدة
عمان-يواصل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري اليوم، الحديث الذي بدأه أمس، عن الاحتلال الاميركي للعراق، وتداعيات ما بعد معركة سقوط بغداد ونظام صدام حسين، وكيف أن تلك الحرب استبدلت الأمن النسبي بالفوضى العارمة، التي وجد فيها الإرهاب حواضن وبيئات خصبة.
ويصل المصري، في حلقة اليوم من سلسلة "سياسي يتذكر"، لتداعيات حرب العراق، واستهداف الإرهاب للأردن، ويتوقف عند محطة تفجيرات عمان التي سقط ضحيتها 62 شهيدا، وأكثر من 200 جريح، كما فقد المصري في تلك التفجيرات صديق العائلة المخرج السينمائي العالمي مصطفى العقاد، وعددا من افراد اسرته، الذين جاءوا من لوس انجلوس للمشاركة في حفل زفاف ابنة شقيق المصري، كما توفي في الأحداث خطيب ابنة شقيقة المصري مصعب خرما.
ويستزيد في حديثه عن التغييرات التي لحقت تفجيرات فنادق عمان، وكيف كان لرجال تلك المرحلة الأثر في زيادة مساحات الاستقطاب السياسي، الذي أدخل البلاد في حالة الاصطفافات السياسية والاقتصادية والإدارية الخطيرة.
ويصف المصري الأجواء العامة للبلاد بالقول: "قد أعطي الطابع الأمني أولوية، وصلاحيات أوسع، وقد كان ذلك على حساب الطابع السياسي لمؤسساتنا الرسمية، وهي صلاحيات واسعة، وتمت ممارستها بشكل خلق حالة من الاستقطاب. وهي استقطابات ليس لها أي محتوى سياسي، لأنها لم تكن استقطابا سياسيا أصلا".
وينتقد المصري الخلافات في مراكز القرار، التي أدخلت البلاد في "حالة ضبابية"، منذ العام 2005 وحتى العام 2008، وكان لها أن عطلت وأخرت برامج الإصلاح، وتحديدا الإصلاح الاقتصادي.
ويؤكد بأن ظلال تلك الفترة "ما تزال حاضرة"، وهي ما أوصلتنا في نهاية المطاف للحالة التي نعيشها من تراجع الثقة الشعبية، بكفاءة إدارات أجهزة الدولة.
وكان المصري تحدث في حلقة أمس عن الموقف الأردني من الاحتلال الأميركي للعراق والحرب في نيسان (ابريل) 2003، وقدم تحليله للمشهد السياسي حينه، وتفاصيل اجتماع رؤساء حكومات سابقين مع الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
كما بين المصري في روايته للموقف الأردني من الحرب على العراق حجم الضغوط الأميركية والغربية التي مورست على المملكة، ومحاولات إقحام الأردن في الدخول إلى دائرة النار.
اليوم يشخص المصري الحالة السياسية لمرحلة الاستقطابات الخطيرة، ويلفت إلى أننا قد نكون ما نزال نعيش آثارها، التي صادرت في السابق مثلا؛ وليس حصرا، فرصة التوافق على مخرجات لجنة الأجندة الوطنية، التي جُمدت في الأدراج، واعتقد أن توصياتها صارت نسيا منسيا.
كما يحمل رجال ذات الفترة أسباب تعطيل مسارات الإصلاح جميعها، والعبث بسياسات الحكومات، وكان لما قاموا به، آثار خطيرة، قد نكون بحاجة لوقت طويل حتى نتمكن من معالجتها؛ ووصف تلك الاستقطابات؛ بأنها من "أخطر حالات الاستقطاب، التي مرت على البلاد منذ نشأة الإمارة وتاريخ تأسيس المملكة".
وفيما يلي التفاصيل:
بعد ما قدمته في الحلقة الماضية، عن حجم التباين في مواقف رجالات الدولة من الحرب على العراق، وكيف أن جلالة الملك بادر في عقد اجتماع، لوضع حد لكل تلك الانقسامات في الشارع والتجاذبات السياسية التي كانت لها ظلال ثقيلة؛ نتحدث اليوم عن ذيول وتداعيات الحرب على العراق، واحتلال الولايات المتحدة لها، فبعد أن ذهب نظام صدام حسين وجاء مكانه الإرهاب وحكم الطوائف، وهو ما أثر علينا كثيرا، حتى اكتوينا جميعا بالحادثة المؤلمة، بتفجيرات الفنادق الثلاثة العام 2005، وما ترتب عليها من إجراءات داخلية؟
-قد يكون قدرنا أن تظل حدودنا متوترة، فمن الحدود الغربية إلى الشرقية إلى الحدود الشمالية اليوم، كلها حدود مضطربة، وأخطرها جبهتا الشمال والشرق، اللتان تمترس حولهما الإرهاب ومتطرفوه، وصاروا يهددون أمن الجميع، وأقول: يهددون أمن الجميع، فلن نسلم من تداعيات هذا التهديد الخطر، الذي إن لم تكن معه فأنت ضده، وهذه عقيدة التطرف والتعصب والتشدد.
لقد كان واضحا بالنسبة لنا جميعا بأن بديل نظام صدام حسين هو الفوضى والإرهاب، ولا جديد في الأمر، فالقوى السياسية البديلة لصدام ونظامه، غير موجودة وغير مهيأة لتعبئة الفراغ؛ فلابد أن تتسلل الفوضى والإرهاب، وقد تكون المقاربة بين الأزمة السورية اليوم والعراقية، قد تكون فيها تناغم من حيث نشوء حواضن وبيئات للخلايا الإرهابية في دول فقدت أنظمتها السيطرة على أجزاء من المدن والمحافظات.
لكن في العراق بعد سقوط بغداد وسقوط نظام صدام حسين، فقد انتشرت القاعدة في مناطق من العراق، والعراقيون الشيعة لهم حكمهم وقادتهم، والأكراد ينزعون للاستقلال، والسنة محاصرون بين الاقصاء عن القرار وبين القاعدة وفقر الموارد، والحكومة المركزية هناك أتخمها الفساد، وداهمتها التفجيرات، وأمام هذا المشهد كان الله في عون المواطن العراقي، الذي يتحمل كل هذه التناقضات، التي تعبث بأمنه وحياته وكرامته ولقمة عيش أهل بيته.
لقد كان تهديد القاعدة لنا أمرا واضحا، وهي جهة لا تخفي عداءها لنا، ونحن اجتهدنا في مكافحتها داخليا وخارجيا، ونعتبر أن من أولوياتنا مكافحة الإرهاب والتطرف والتعصب، ولعل هذه مسألة في صميم أمننا القومي الاستراتيجي.
وفعلا ظلت اجهزتنا الأمنية متيقظة لكل تحركاته القاعدة، وكان لجهازنا الأمني فضل في حفظ أمن الوطن وسلامة أبنائه، ومقاومة كل محاولات هذه الفئة المجرمة باختراق الأمن الأردني، ممن حاولوا استهدافه مرارا وتكرارا، وما يزالون يحاولون، وبالمناسبة فالأجهزة الأمنية تستعين على قضاء مهامها بالكتمان، ونكاد ما نعرفه عن جهود تبذلها تلك الأجهزة، لا يتعدى واحدا بالمائة من حقيقة عملها الدؤوب والموصول.
لكن القدر سمح لفئة ضالة من هؤلاء المجرمين، أن يتسللوا ويدخلوا أحزمتهم الناسفة، ويتربعوا في صدر أفراح وصالات فيها بشر كثيرون، وكم هو مشهد بشع وعمل جبان، أن تقتل شخصا لا تعرفه، ولا يوجد لك علاقة به أو معه، أو لا تعرف إن كان هذا الإنسان الذي تهم بقتله هو انسان طيب أو شرير، وهذا هو القتل العشوائي الجبان. وهذه هي تفجيرات الإرهاب، التي تأخذ الناس حصادا دون سابق ذنب أو إنذار.
لقد كان لي في تفجيرات الفنادق الثلاثة محطة مؤلمة، فعدد الضحايا الذي بلغ 62 شهيدا وجرحى تجاوز تعدادهم الـ200 جريح، ومن بين هؤلاء جميعا فقد فقدت من بين ضحاياها صديق عزيز لي ولعائلتي وعدد من أفراد أسرته.
فقد راح ضحية هذا العمل الغادر والجبان مصطفى العقاد، المخرج السينمائي الشهير، والذي جاء مع عائلته من لوس انجلوس، لحضور حفل زواج ابنة اخي زاهي، وقد كان حفل الزفاف سيقام في العقبة، في اليوم التالي لهذا الحدث المؤلم.
كما كان في نفس الفندق ضيوف، وكان من بينهم خطيب ابنة اختي، المرحوم مصعب خرما، وعندما سمعت الخبر، وذهبت فورا للفندق، صدمت عندما وصلت، فحجم الدمار فاق الخيال والتصور، ووقفت متسمرا مكاني، فنحن في الأردن لسنا معتادين على مثل هذه المشاهد، وقد لا نشاهدها إلا في أفلام (الآكشن) الغربية والأميركية، فأن تنتقل تلك المشاهد إلينا! فقد كان أمرا صادما.
في تلك الأحداث، توفي مصطفى العقاد وابنته، ونقل بموكب رسمي، بأمر من جلالة الملك إلى دمشق، ورافق الجثمان إلى المدفن في مدينة حلب، مسقط رأس العقاد؛ وزير الثقافة في حكومة عدنان بدران في حينه أمين محمود.
هذا الجانب المؤلم والمؤسف من التفجيرات، لكن الجانب الحقيقي والصادق في مثل هذه الأحداث، هو حقيقة التلاحم الشعبي عندنا، فالشعب الأردني، بشتى اصوله ومنابته وبأقلياته وبالمقيمين بينه، دائما يكشف عن معدنه الثمين في الأزمات والكروب والشدائد، فقد كان حجم التكاتف والتضامن مع الحدث، نابعا من قلب حقيقي، وبقي هذا التكاتف بنفس القوة والوتيرة والتأثير معنا في كل المحن والشدائد.
من جهة أخرى، فقد كان لتفجيرات عمان ما بعدها، من تأثيرات على الحياة السياسية، فما أن هدأ دخان التفجيرات؛ حتى كان واضحا، بأن التغيير صار ضروريا في بعض السياسات والمراكز، التي لها تأثير مباشر على قرار تغيير حكومة عدنان بدران، وتغيير مدير المخابرات سميح عصفورة.
ويمكنني القول بأن هذه الأزمة، هي الأزمة الأولى بحجمها وعمقها وأثرها، التي واجهت جلالة الملك عبد الله الثاني على المستوى الداخلي، بعد تسلمه مسؤولياته الدستورية في الحكم، وقد كان لها تداعياتها علينا جميعا.
- وهل تعتقد بأن المسؤولية يتحملها مدير المخابرات، في حينه، سميح عصفورة، ورئيس الوزراء عدنان بدران، اللذان خرجا من المسؤولية بعيد التفجيرات، ودخل على مراكز القرار رجالات كان لها أثر خطير على زيادة مساحات الاستقطاب السياسي، الذي أخذ أشكالا سلبية عديدة؟
-قطعا لا؛ لكن ضعف تلك المرحلة انسحب على أداء أجهزة الدولة، وتراجع كفاءتها، فحكومة بدران أثارت جدلا واسعا حول طريقة تشكيلها وتكوينها، بالإضافة لمفاجأة تكليف عدنان بدران، شقيق مضر بدران، برئاسة الحكومة.
فعدنان لم يكن في حلقات الحراك السياسي والوزاري، وكان مفاجئا لنا جميعا، أن يختاره الملك عبد الله الثاني، لكن أيضا استطيع القول، بأنه منذ تلك الحكومة، وقبلها حكومة فيصل الفايز، فقد ظهر لنا جميعا نمط جديد، في اختيار الملك لشخصيات رؤساء الحكومات.
في حكومة بدران، كان هناك انطباع لدى الرأي العام، بضعف قدرة هذه الحكومة، والطريقة التي تعامل النواب معها، هي طريقة بدأت تخرج عن الحدود المعهودة في العلاقة السياسية التي تحكم السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما كان له آثار كبيرة على مستوى الثقة بالسلطة التنفيذية وأعضائها. لم أكن أحب يوما أن أرى أن هناك مساسا بهيبة الحكومات ومجالس النواب، ولا بد من إعادة الحضور الإيجابي للسلطات الدستورية.
- نريد أن ندخل في التفاصيل أكثر حول تداعيات تفجيرات عمان، وكيف تأثرت الحياة السياسية بالوضع الأمني الجديد، الذي كان على حساب مساحة القرار السياسي؛ كما وصفته في حلقات سابقة؟
-لقد تغيرت حكومة بدران، وجاء معروف البخيت خلفا له، وهو عسكري متقاعد وسفير في تركيا وإسرائيل، تزامن ذلك مع تغيير مدير المخابرات سميح عصفورة، وجاء محمد الذهبي، ثم تم تعيين باسم عوض الله رئيسا للديوان الملكي.
هذا من حيث الأسماء والشخصيات، وهي التي سنأتي على ذكرها لاحقا.
أما على صعيد الجو العام، فقد أعطي الطابع الأمني أولوية، وصلاحيات أوسع، وقد كان ذلك على حساب الطابع السياسي لمؤسساتنا الرسمية، وهي صلاحيات واسعة، وتمت ممارستها بشكل خلق حالة من الاستقطاب. وهي استقطابات ليس لها أي محتوى سياسي، لأنها لم تكن استقطابا سياسيا أصلا.
ودخلت البلاد في حالة ضبابية، منذ العام 2005 وحتى العام 2008، وكان للحالة الضبابية تلك أن عطلت وأخرت برامج الإصلاح، وتحديدا الإصلاح الاقتصادي، وهذا لا يعني أن برامج الإصلاح السياسي لم تتجمد وتتعطل.
ثم إن الاستقطابات تلك، بين طرفين، تسببت في اصطفافات غير معهودة، حيث لم يكن معروفا لدينا، أو مسموعا عندنا في الزمن السابق، بأن الاصطفافات تكون بين رئيس الديوان ومدير مؤسسة أمنية مثلا، فعلى شدة الخلافات التي كانت تنشأ بين رجالات الدولة في مواقع مختلفة، لم تصل الأمور لهذا المستوى غير المعهود من وضوح الحرب وأدواتها ورجالها.
وهذا الاستقطاب، الذي قد نكون ما نزال نعيش آثاره، قد صادر مثلا؛ وليس حصرا، فرصة التوافق على مخرجات لجنة الأجندة الوطنية، التي جُمدت في الأدراج، واعتقد أن توصياتها صارت نسيا منسيا. وهم؛ باستقطاباتهم تلك، عطلوا مسارات الإصلاح جميعها، وعاثوا بسياسات حكوماتنا تخريبا، وكان لما قاموا به، آثار خطيرة، قد نكون بحاجة لوقت طويل حتى نتمكن من معالجتها. وأستطيع أن أقول بأنها من أخطر حالات الاستقطاب، التي مرت على البلاد منذ نشأة الإمارة وتاريخ تأسيس المملكة.
- هنا؛ كيف تقرأ الخلافات بين رجالات مراكز القرار وقتها؟
-الخلاف كان واضحا، بين رئيس الديوان الملكي باسم عوض الله ومدير المخابرات العامة محمد الذهبي، وقد كان خلافا طاحنا ومؤذيا.
فالمشاحنات كانت بين رجلين، يحظيان بمراكز قوة وقرار، ويتمتعان بثقة ودعم جلالة الملك، وهو ما أثر بشكل كبير على حركة الدولة، بشكل عام، وعلى مفهوم الصلاحيات، وأصبح هناك عدم وضوح في موضوع المرجعية؛ إلى أن أصبح الضرر من هذا التنافس واضحا، وكان لابد من اتخاذ إجراء ما.
فقد انقسم المجتمع السياسي والاقتصادي والإداري، وأصبحنا ضائعين وحائرين، فلم نعد نعرف إلى أين تسير الأمور، ومن يقرر سياسة الدولة في تلك القطاعات، وما أسباب وقوع ضحايا سياسيين نتيجة لهذه المشاحنات.
هناك، شعرت بأن عليّ أن ابتعد عن بعض مجريات الأمور، لشعوري بأن النوايا تجاهي؛ من أطراف هذه المشاحنات، لم تكن صافية، وليست على حقيقتها.
وبسبب التزامي بمسار وأخلاق سياسية، لا أقبل أن تتغير، كان هناك محاولات لتوريطي بمواقف، أنا بعيد كل البعد عنها، خاصة فيما يتعلق بجانب الانتماء الوطني، والالتزام بالوحدة الوطنية.
واستطعت أن أبتعد؛ ولم تنجح تلك المحاولات معي، لأني متمسك بما أؤمن به. ومرت تلك الحقبة بسلام على المستوى الشخصي، لكن ببعض الأضرار، التي استطعت تلافي جزء منها.
- برأيك، ما هي أخطر ممارسات تلك المرحلة؟
-الكل يعرف ويُدرك، بأن ما جرى في الانتخابات النيابية العام 2007، والاتهام الصريح بتزوير النتائج، وما حدث في ذلك العام، بين الدولة وأجهزتها وجماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البلدية والنيابية، وتبعات المواقف السياسية التي واكبت تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق، والموقف السياسي الأردني من هذا الاحتلال، ومسألة الاتهام بوجود قوات أميركية على الأرض الأردنية، وتزايد الحديث عن شبهات الفساد في مؤسسات رسمية، كلها قضايا جعلتني مقتنعا بأني في الجانب الصحيح. في تلك المرحلة بقيت قنوات الاتصال معي من قبل مراكز قرار تُفتح وتُغلق، حسب ظروف ليس لي يد فيها.
لكني كنت أشعر بأن لهذه الاستقطابات تداعيات، قد توصلنا في نهاية المطاف للحالة التي نعيشها من تراجع الثقة الشعبية، بكفاءة إدارات أجهزة الدولة.
- لكنك كنت عضوا في مجلس الأعيان، الذي دخلت به مع رؤساء وزراء سابقين، كان أبرزهم رئيس مجلس الأعيان الأسبق، الذي دخل عضوا، أحمد اللوزي، ورئيس الوزراء الجدلي عبد الكريم الكباريتي وفايز الطراونة العام 2005؟
-صحيح، فقد كان معنا احمد اللوزي، وكان مجلسا مميزا، وكان لأعضائه دور متقدم في الإصلاح التشريعي، وربطه بمسار الإصلاح الشامل.
لكني بقيت مستمرا في برنامجي الاجتماعي، وازدادت في تلك الفترة علاقاتي واحتكاكي وتفاعلي مع المجتمع بكافة أطيافه، ولم أشعر بأني قد خسرت من حضوري.
لقد كان لمشواري السياسي في الاعوام الخمسة والعشرين الأخيرة، في مجالس النواب والأعيان، ما أكسبني انطباعا وصفة؛ لن أخيب ظن من كونها عني، فقد أصبح الجميع يعرف حقيقة تكويني الفكري، ومدى التزامي بالمبادئ، التي أعلن عنها واتمسك بها.
وباعتقادي فإن هذا الانطباع هو الذي يُقرر متى تتم الاستعانة بي، ومتى أدخل المسؤولية ومتى أخرج منها.
وقد كان هذا واضحا بالنسبة لي، منذ عدم تعييني في مجلس الأعيان العام 1997 أنا وأحمد عبيدات، من قبل الراحل الحسين، قبل أن يُعيد النظر رحمه الله ويعيدنا للمجلس بعد عام من تشكيله، لكن بظروف مختلفة، كما لم أعين في مجلس الأعيان، الذي شُكل بعدها، وعدت في الدورة التي تلتها، إلى أن صرت رئيسا لمجلس الأعيان نهاية العام 2009.
- وهل تعتبر وجودك في رئاسة مجلس الأعيان كان استخداما لك في ظرف معين، وخروجك من الموقع يعني انتهاء ذلك الظرف؟
-لا أعرف. لكن قد أكون بحكم التقاليد السياسية المتبعة، الشخص المناسب لخلافة زيد الرفاعي في الموقع، من بين رؤساء الحكومات السابقين، وحسب الأقدمية، فالأقدم مني من الرؤساء الأحياء، أمد الله في عمرهم، هم أحمد اللوزي وزيد الرفاعي ومضر بدران وأحمد عبيدات، وهم ليسوا أعضاء في المجلس، وقد لا يتعدى السبب تلك الفكرة.
لكن بطبيعة الحال، لم أكن في المطبخ السياسي خلال تلك فترة، وقد دخل على المناصب والمواقع الرسمية وجوه جديدة، اختارها جلالة الملك عبد الله الثاني، بناء على معايير جديدة. وأظن أن جلالته أراد أن يُغير من نوعية القيادة، ويخفف من تواجد ما بات يسمى بالحرس القديم، باعتبار أن هذه هي المملكة الرابعة، وهي مختلفة عن سابقاتها، ولقد عرفنا جيدا توجهات وآراء جلالة الملك، وهي قد تكون مختلفة عن السابق، لكن هذا الأمر طبيعي، وهو مقبول، وعلينا أن نحترم هذه الحقيقة، وهذا التوجه الجديد.
- أخذتنا لقضية حجم التغييرات المتلاحقة في المواقع السياسية والاقتصادية، وهل أثر ذلك على القرار السياسي والاقتصادي، وهل ذلك أمر صحي؟
-الاحتلال الأميركي للعراق غير شكل الخريطة السياسية في المنطقة، وتركنا نواجه استحقاقات جديدة، لم نكن بصورتها ولسنا براضين عنها.
أما في الجانب الاقتصادي، فقد تبنت الدولة مفهوم اقتصاد السوق الحر، وكان على رأس هذه المفاهيم الاقتصادية: دعم القطاع الخاص، ودعم مفهوم الشريك الاستراتيجي، ذلك لأن النظام آمن بأهمية الاستثمار وضرورة جلبه، وأهمية إعطائه الحوافز، فكان أن بدأ التفكير ببيع الأصول الرئيسية للدولة، والتي لها علاقة وثيقة بمفهوم السيادة.
وتم بيع تلك الأصول بسرعة، وبدون دراسة الأثر الاجتماعي، كما أجريت الانتخابات النيابية في تلك الفترة، وبموجب نفس قانون الصوت الواحد، الذي أثر على البنية الاجتماعية والسياسية، ما زاد من وقع الأزمة سياسيا، وما سبقها اقتصاديا، وتأثرت أحوال الناس، ولم يتحسن الوضع المالي للمملكة.
فاشتبكت الأساسيات الثلاثة؛ وهي الوضع الاقتصادي بعد بيع أصول الدولة، والوضع السياسي نتيجة الظروف الإقليمية في فلسطين وانتفاضتها والعراق واحتلالها، وكلها عوامل أثرت على البيئة الاجتماعية للمواطن، وبدا مفهوم عدم الرضا عن السياسات والقرارات، يسري بين الناس، وزاد هذا الشعور بعدم الرضا عند المواطن؛ التغيير السريع للحكومات والوزراء وعدم الاستقرار في أكثر من مستوى من مستويات السلطات الدستورية.