سياسي يتذكر الحلقة الحادية عشر
30 نيسان 2014
المصري: بدعم من الحسين استكملت حكومتي إنهاء حالة الطوارئ
محمد خير الرواشدة
عمان - يستكمل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في حلقة اليوم من سلسلة "سياسي يتذكر"، حديثه حول المعوقات التي واجهت حكومته حتى بعد إعلان برنامج عملها العام 1991.
ويكشف المصري بعض تفاصيل المعارضة النيابية داخل المجلس، والسياسية من خارج المجلس، والتي شككت بقدرة المصري شخصيا على إدارة الحكومة، وقدرة حكومته على إدارة المرحلة.
ويستزيد المصري في شرح تفاصيل عن برنامج حكومته، والقناعات التي كانت تعبر عنها الحكومة في مجالات وقطاعات الإصلاح الشامل.
ويصل المصري اليوم لأولى إرهاصات الدعوة لمؤتمر مدريد للسلام، ويبدأ التمهيد للكشف عن تفاصيل استقالة الوزراء الخمسة من حكومته، ومقدار الضرر السياسي والشعبي الذي لحق بحكومته نتيجة هذه الاستقالات.
وكان المصري كشف في حلقة أمس تفاصيل تحول موقف الأردن الرسمي بعد حرب الخليج الثانية. كما تحدث حول الرسالة الشفوية التي نقلها من العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني إلى الراحل الملك الحسين بن طلال خلال زيارة الأخير لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران.
كما وثق المصري لأول مرة، اللحظات الأولى التي جمعته مع الراحل الحسين ورئيس ديوانه في حينه سمو الأمير زيد بن شاكر، وكيف تم تكليفه بتشكيل الحكومة قبل استقالة حكومة بدران بثلاثة أسابيع.
واليوم يبدأ المصري وسيتابع في حلقة يوم غد؛ تفاصيل دقيقة حول موقف حكومته من المشاركة بمؤتمر مدريد للسلام، وتفاصيل أكثر عن الحراك النيابي الذي دفعه للاستقالة من الحكومة.
وفيما يلي التفاصيل:
- في ردك على كتاب التكليف ورد فيه تجاوز على البرتوكول بمخاطبة الملك، من قبل رئيس حكومته، فذيلت رسالة الرد بـ"المخلص" طاهر المصري، وقد كان وما يزال استخدام كلمة "خادمكم" فلان، بروتوكولا في مخاطبة الملك؟
- صحيح؛ وقد ذيلت فعلا ردي على كتاب التكليف السامي بكلمة "المخلص"، وقد كانت المرة الأولى، التي يتم فيها تجاوز البروتوكول بهذه الكلمة، وأذكر كيف أن أمين عام رئاسة الوزراء وقتها سعد جمعة، جاءني ناصحا من حيث تجاوزي لأمر بروتوكولي اعتبره مهما.
فأجبته بأني أقصد معنى هذه الكلمة، وأريد استخدامها مع جلالة الملك، وأن التغيير نهج حكومتي، ولا أجد في تغيير الكلمة أي مساس بأدبيات مخاطبة الملوك، بل إن وقع الكلمة أصدق، وإنها مفتاح العلاقة بين رأس السلطات الدستورية وبقية أعضائها، ولا أذكر بأن أحدا من الديوان الملكي أو المقربين من الراحل الحسين اعترض على الكلمة أو مكان استخدامها.
- أمام المعارضة القاسية التي واجهتها من النواب، هل تعرض برنامجك للتعطل في أي محطة؟
- كان برنامج حكومتي دسما من حيث جدول الأعمال، وكان مطلوبا منا ضرورة الإسراع باتخاذ خطوات إصلاحية ترقى لطموح الشارع، وتستعيد ثقته بالمؤسسة الرسمية، فقد كان برنامجا واضحا بالخطوات والمراحل، وكان قاسيا أيضا في التنفيذ، واعتقد أنه وعلى الرغم من قصر عمر حكومتي مقارنة بعمر التي سبقتها ولحقتها، إلا أننا استطعنا من خلال فريقها، إحداث فرق تشريعي واضح، أثر خلال أيام حكومتي، وما لحقها من الحكومات على مجريات الحياة السياسية والانفتاح الواضح في مجال الحريات وبشكل صحيح.
أول ما واجهته حكومتي بعد الخروج من معترك الثقة النيابية، كان العمل على إلغاء الأحكام العرفية، بتبعاتها كافة، وقد تفهم الحسين مطالبنا واعتبرها استمرارا لمسار التحول الديمقراطي، الذي دشنه الراحل خلال انتخابات مجلس النواب الحادي عشر.
كانت هناك خطوات وإجراءات اتخذت في عهد حكومتي زيد بن شاكر ومضر بدران، وكان لها الدور بالتخفيف من وطأة حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وجاءت حكومتي وأنهت الأمر بلا رجعة.
ثم بدأنا عبر الفريق القانوني المميز في الحكومة، وهم الوزراء محمد الحموري ومحمد فارس الطراونة وتيسير كنعان وجودت سبول وسليم الزعبي، وهم من الكفاءات الوطنية المشهود لها بعملها ونزاهتها في صياغة مشروعي قانوني الأحزاب والمطبوعات والنشر.
كما عدلنا الكثير من القوانين لتتناسب مع ذلك، وأهمها قانون محكمة أمن الدولة، الذي كان حكمه نهائيا، ومن درجة واحدة ليصبح قابلا للتمييز، وأن يكون تمييز الحكم تمييزا موضوعا وليس شكلا.
كما أن هناك لجنة الأمن الاقتصادي، التي استمرت على مدار سنوات احتلال الضفة الغربية، وجاءت اللجنة لتحل محل القوانين كافة، وقد كان قرارها ملزما.
وتولى الفريق القانوني الكفؤ في الحكومة، وأمضى أياما طويلة ومرهقة في البنك المركزي مع المحافظ المرحوم سعيد النابلسي، ونائبه وقتها ميشيل مارتو، وتم التخلص من كافة هذه التعليمات والقواعد العرفية، وعدنا إلى تطبيق القوانين النافذة. واعتقد أن هذا كان إنجازا حقيقيا للحكومة.
- كان لكم كحكومة ومجلس الأمة بغرفتيه الأعيان والنواب محطة مهمة مع قانون محكمة أمن الدولة، وقد انتصر النواب والأعيان لتعديلاتهم على القانون، حتى بعد أن رده الراحل الحسين، وهي حادثة استثنائية كانت في ذلك الوقت؟
- فعلا؛ فقد كان هذا أول قانون يرده الحسين في عهده كاملا، وهي كانت لحظة فارقة بالحياة السياسية، ليس من حيث أهمية القانون وحسب، بل بالطريقة التي تعاملنا فيها، كسلطات دستورية، وعلى رأسنا جلالة الملك الحسين، فقد تجلت في تلك اللحظة القيم الحقيقية لاحترام الدستور، والطريقة المُثلى التي يتعامل فيها أصحاب السلطات الدستورية بصورة ديمقراطية سليمة وصحية.
استمرت مناقشة مشروع "أمن الدولة" خلال مجلسي النواب الحادي عشر والثاني عشر.
فقد ناقش "الحادي عشر" مشروع القانون، وأقر التعديلات المهمة، التي جاءت فيه، وكذلك فعل مجلس الأعيان، ثم ترك للراحل الحسين القرار بتوشيحه بالإرادة الملكية السامية.
وقبل مضي المدة الدستورية لصدور الإرادة الملكية على أي قانون، وهي ستة أشهر، رده الحسين للنواب، وهي صلاحياته المنصوص عليها بحسب الفقرة الثالثة من المادة 93 من الدستور.
بعد أن عاد القانون لمجلس الأمة بعد رده، أعاد المجلسان التصويت على المشروع، وانتصرا لتعديلاتهما عليه، وبذلك فاز قرار مجلس الأمة، وكان تفعيلا لذات المادة الدستورية (94) التي جاء في البند الرابع منها "إذا رد مشروع أي قانون (ما عدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة وأقره مجلسا الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ إصداره، وفي حالة عدم إعادة القانون مصدقا في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة، يعتبر نافذ المفعول، وبحكم المصدق. فإذا لم تحصل أكثرية الثلثين فلا يجوز إعادة النظر فيه خلال تلك الدورة، على أنه يمكن لمجلس الأمة أن يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية".
- كنت وفريقك الوزاري جادين بتطبيق برامج إصلاح شامل في القطاعات المختلفة وضمن مسارات متلازمة؟
- نحن اجتهدنا؛ فقد قدرنا حساسية اللحظة السياسية، ومدى الحاجة لإعادة بناء الثقة الشعبية بالمؤسسات الرسمية، خصوصا بعد أن شعرنا بأننا مدعومون من قوى في الشارع لها احترامها أيضا، فصحيح أن لنا خصوما سياسيين، لكن كان لنا حلفاء سياسيون أيضا؛ وروافع شعبية، لا أقول إننا كنا حكومة حزبية، لكن كان لنا لون سياسي مختلف ومقبول، من شرائح واسعة في المجتمع.
كما أن الفريق الوزاري ضم عددا من الرجالات، الذين يُشهد لهم بالكفاءة وبالوطنية وبالنزاهة، وهذا كان مطلبا شعبيا مهما، وفعلا اتسمنا بهذه الصفات، وسعينا الى أن نكون على قدر هذه المسؤولية.
ما قلته لك الآن؛ هو ما ترك انطباعا إيجابيا في ظل أجواء اقليمية ومحلية كانت متشائمة جدا، وكانت تلك الأجواء متضاربة حول التوقعات بالمستقبل.
لقد انفرجت الأجواء مع تشكيل الحكومة، خصوصا وأن الجميع كان يعرف بتفاصيل برنامجنا الإصلاحي الذي كان يسعى للتقدم عمليا في القطاعات الحيوية، التي تؤثر في حياة المواطن.
لقد وفرت لنا تلك المرحلة كحكومة فرصة في كسب تأييد الشارع من ناحية الإصلاحات المحلية، فلقد كرسنا مناخا من الحريات لم يكن متوفرا في السابق.
كما استطعنا كحكومة تقليص هامش تدخل الأجهزة الأمنية؛ التي كانت لها سيطرتها على الحياة السياسية، وذلك كان المعنى الأهم من إلغاء الأحكام العرفية، وأصبحت مهمة الإدارات الأمنية محصورة في مجالات فنية أمنية، تتعلق بالأمن الوطني، صحيح أن للأجهزة الأمنية دورا مهما في توضيح المعلومات للسلطات السياسية، لكن أيضا من المهم أن لا يكون لتلك الأجهزة أي تصرف يعارض توجهات رأس الدولة وسلطاته الدستورية، وهو ما ترك انطباعات إيجابية عن مرحلة التحول الديمقراطي تلك.
لكن كل ذلك لم يشفع لحكومتك أمام المعارضة في تخفيف حدة النقد، وبقيتم كحكومة موسومين بأنكم "حكومة سلام"، وقد تكونون دفعتم ثمن تشهير المعارضة بكم؟
-لا أنكر أنه حتى وقبل تشكيل الحكومة، التقت بعض الشخصيات السياسية، وسعت لمعارضة تكليفي برئاسة الحكومة، وكانت هذه اللقاءات تحت عنوان التشكيك بقدرتي على إدارة شؤون الدولة، في تلك الظروف الصعبة، وهناك أسماء كبيرة كانت تلتقي لتهيئة أجواء عدائية ضد الحكومة، فقد ولدت الحكومة وسط أجواء من المعارضة والعدائية، التي إن بدأت تنتقدني شخصيا، فإنها لم تتوقف عند مشاركة حكومتي في مؤتمر مدريد للسلام، وهو المؤتمر الذي شاركنا فيه كلنا، الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بوفد مشترك، وسورية ولبنان أيضا.
بتلك الفترة لم ألقِ بالا لمعارضة الصالونات السياسية، خصوصا وقد كنت مسلحا ببرنامج حكومي عملي تنفيذي، يجعل المواطن يشعر بالفرق بين حكومة الأفعال ومعارضة الأقوال.
لكن أشد ما واجهته حكومتي هي المعارضة التي شنتها جماعة الإخوان المسلمين، واستخدمت فيها منابر المساجد لتلقي خطبا عنيفة اشتملت على اتهامات جاهزة، وعلى رأسها اتهامنا بأننا "حكومة مصالحة العدو عبر المفاوضات المباشرة".
ساعد في ذلك ما قاله بعض الوزراء الذين استقالوا من الحكومة، وخرجوا في التعديل، من أني صرحت لهم بأن "هذه الحكومة ليست حكومة مفاوضات"، وبنوا كل مواقفهم ضد الحكومة على هذا التصريح، الذي ما أزال حتى الساعة أبحث عن دقته وعن مناسبته أو متى أدليت به فلم أجد.
وكما هو الحال الآن؛ يصدر التصريح من جهة غير معروفة، ويُنسب إلى السياسي، وتثور ثائرة الناس دون التحقق من صدقية القول ومدى انتسابه لقائله.
لكن من حسن الطالع، فقد كان معي بالحكومة رجال أقوياء، وقررنا أن نسير بالأمور وعلى طبيعتها، وأن نتعامل مع الأحداث بحسب الوضع القائم، وتقبلنا بكل ديمقراطية المعارضة وآراءها ومواقفها وحتى حراكها، واحترمنا الحياة البرلمانية بتقاليدها، متجنبين أن نكون سببا مباشرا أو غير مباشر في عودة عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي للبلاد.
صحيح أننا كنا أمام استحقاق سياسي مهم وخطير وقتها، وهو مؤتمر مدريد للسلام، وأسباب الدعوة إليه والآثار التي قد تنتج عنه، لكن لم نترك وراء ظهرنا أهمية وأولوية تحقيق الإصلاحات المطلوبة هيكليا وإداريا وتشريعيا.
كان همي هو أن نُحدث التغيير المدروس والمتدرج لكن السريع أيضا في كثير من التشريعات، وقد أعددنا أفكارا، وصغنا مشاريع قوانين هدفها تنظيم الحياة الإدارية بموجب تشريعات.
- مع كل هذه الأجواء الإقليمية من حولكم، شرعتم بصياغة مشاريع قوانين سياسية إصلاحية؟
- سعينا من خلال لجنة حكومية مصغرة في البحث عن قانون انتخاب جديد، واجتمعت باللجنة وأخذت بآراء قانونيين وخبراء.
ولم نجتهد فقط على مستوى تشريعات الإصلاحات السياسية، بل اقتربنا أيضا من محاولة تحقيق معدلات إصلاح اجتماعي، فحاولنا قوننة بعض آثار العادات والتقاليد التي تُسبب قلقا اجتماعيا، في موضوع القتل العمد وغير العمد، وقد كانت "الجلوات" الجماعية تتسبب باضطرابات مجتمعية واسعة، فجئنا بقضاة عشائريين، مشهود لهم في هذا المجال، وسعينا لوضع إطار قانوني، يحكم تداعيات القتل والثأر والجلوات والصلحات، والاتفاق على التحكيم القانوني لها بحدود ترضي الله وتخفف من آثار "فورة الدم" لدى أهل المجني عليهم، وكل ذلك كان بهدف اجتماعي نبيل، هو تشديد الإجراءات في مثل هذه الحالات، وبشكل يخفف كل الآثار الاجتماعية السلبية المترتبة على أهل الجاني، الذين لم يرتكبوا الجريمة، وكانت محاولتنا ليست انقلابا على منظومة العادات والتقاليد، بقدر ما أن يكون تطبيق هذه العادات والتقاليد مقبولا لجميع الأطراف.
أما في الشأن الاقتصادي فقد كنا جادين في تطبيق سياسات ضبط الاقتصاد وكان لرجال الاقتصاد في البنك المركزي والوزارات المختصة الدور المهم في تصحيح سياساتنا النقدية وإصلاحاتنا الاقتصادية، حتى عاد الاستقرار للدينار واستشعر المواطن أن الدولة استعادت زمام المبادرة.
وحتى في مجالات التربية والتعليم العالي، كان في الفريق الحكومي كفاءات لها باع طويل.
من هناك أيضا، سعيت لتكريس مبدأ استقلالية القضاء، وقد زرت المجلس القضائي في أول أيام الحكومة، وكان معي وزير العدل تيسير كنعان، وذكرت المجلس القضائي بأنه سلطة دستورية، نظيرة ومكافئة للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وسعيت لحثهم على المطالبة باستقلالية القضاء، والشروع بإصلاح الأساليب الإدارية التي تخدم العمل القضائي في جميع مجالاته الحيوية، وكان أقصى همي هو أن نحقق العدل؛ وأن نجعل قرارات المحاكم مدروسة ومأخوذة بعناية، وأن يستشهد بها في العلوم القضائية والحقوقية، واقترحت على المجلس القضائي أن يضعوا جدول دورات قضائية في الخارج، لتنعكس تلك الخبرة على أداء قضاتنا وسلكنا القضائي ومحاكمنا.
كما وجهت كتابا رسميا لرئيس ديوان المحاسبة وقتها عادل القضاة، طالبته فيه أن لا يستسلم لأي ضغط من أي جهة كانت، وأن يجعل عمل ديوان المحاسبة رقابيا فنيا يسند فكرة تقويم مسارات الجهاز الإداري.
كل هذه الخطط سعينا عمليا لتحقيقها، لكن استمرار توتر الأجواء بيننا وبين مجلس النواب أعاق جهودنا جميعا.
ومباشرة بعد استقالة الوزراء الخمسة من الحكومة، بسبب المشاركة بمؤتمر مدريد، وإجراء التعديل على الحكومة، عاد التوتر من جديد، وعارضت كتل نيابية، قالت إني وعدتها بالتشاور معها في التعديل، وإدخال وزراء منها في الحكومة، وإن هذا لم يحدث. مباشرة تم توقيع المذكرة النيابية من 49 نائبا، وهي كانت المرحلة الثانية من المشكلة، وبداية التفكير في الانسحاب من الوزارة.
- وهل خسرت الحكومة بخروج الوزراء الخمسة نتيجة موقفهم من الذهاب لمؤتمر مدريد للسلام؟
- نعم خسرت؛ لأني كنت مؤمنا بأن الوزراء الذين تقدموا باستقالاتهم وخرجوا بالتعديل الحكومي، وهم عبدالله النسور ومحمد فارس الطراونة وسليم الزعبي ورائف نجم ومحمد الحموري، مع حفظ كريم ألقابهم، كانوا عناصر وطنية وأصحاب كفاءة، وقد كان وجودهم في الحكومة سببا في ترك انطباع عام عن الحكومة، بأنها ذات مصداقية، ولها بعد سياسي وشعبي، وحاولت ثنيهم عن قرارهم، لكني لم أنجح.
- كيف جاءت الدعوة لمؤتمر مدريد، وما هي أصداء مشاركتكم في ذلك الوقت بمؤتمر، ستجلسون فيه مع العدو الإسرائيلي على طاولة واحدة؟
- بدأ الحديث عن مؤتمر سلام دولي منذ أن ألقى الرئيس الأميركي جورج بوش الأب خطابا بعد ضرب العراق وأعلن فيه عن التحضير لمؤتمر سلام، سيكون له دور جاد في حل القضية الفلسطينية، عبر معالجة النزاع العربي الإسرائيلي.
وأعلن في ذات الخطاب أن وزير خارجيته جيمس بيكر سيقوم بجولات على الدول ذات العلاقة، وسيجري خلال تلك الزيارات استطلاعات حول فرص ترتيب وجهات النظر تمهيدا لإعلان موعد مؤتمر السلام.
بداية جولات بيكر على المنطقة لم تشمل الأردن، وقد كان هذا بسبب موقفنا من أزمة العراق، ولك أن تعود لقصة التغيير التكتيكي والاستراتيجي في طريقة تعامل الأردن مع تلك الأزمة مع الولايات المتحدة، وكيف أن الراحل الحسين استمع جيدا للرسالة الشفوية التي حملتها للحسين من "ابن عمه"، ملك المغرب قبل لقائه بالرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران.
بعدها جاء بيكر لزيارة الأردن، وبدأ يضع الأسس لعقد ذلك المؤتمر، لكن بدون تفاصيل واضحة، حتى بدون إعلان أسماء الدول التي ستشارك في المؤتمر، وما حدود مشاركة كل دولة. لم تكن زيارات بيكر تحمل لنا هدفا واضحا للمؤتمر، وكانت هناك تفاصيل كثيرة لم يبحثها بيكر دفعة واحدة.
وكان لدينا تقديرات تشير إلى أن بيكر لا يبحث ذات المواضيع مع كل الدول التي يجول عليها، فقد كان يختار، بظننا لكل دولة يزورها، ملفا مختلفا عن الدولة التي زارها سابقا أو سيزورها لاحقا، وذلك من أجل أن يختار الملفات وفق ما يناسب مواقف الدول المتوقعة، وقد كان بيكر يقوم بذلك ويجمع الآراء والموافقات من الدول المعنية بدون أن يكون صريحا في تلك التفاصيل التي لديه.