الحلقة السابعة
المصري: الحسين بذل جهودا كبيرة لإنجاح قمة الوفاق العربية
السبت 26 نيسان / أبريل 2014. 12:04 صباحاً
- الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد يصافح طاهر المصري
- الملك الراحل الحسين وبجانبه الامير الحسن وطاهر المصري في مطار عمان
محمد الرواشدة
عمان - تفاصيل منوعة يكشفها اليوم رئيس الوزراء طاهر المصري في سلسلة حلقات "سياسي يتذكر" التي تنشرها "الغد"، ويكشف المصري فيها عن جوانب كثيرة من مشواره السياسي.
ويروي المصري في حلقة اليوم جهود الأردن لدعم الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وكيف حاولت أن تُقنع المنظمة بضرورة الاعتراف الفلسطيني بقرار 242 الذي يعزز موقف الفلسطينيين أمام العالم؟
لكن المصري، يشير إلى أن المنظمة كانت متحفظة على القرار، حيث أفشلت (المنظمة) في اللحظات الأخيرة جهود لقاء كان سيجمع وفدا أردنيا فلسطينيا مشتركا مع رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر في لندن. وبين المصري، كيف أن هذه الحادثة كانت سببا في تداعيات التوتر بين الراحل الحسين وأبو عمار، حيث أدى التوتر لإغلاق مكاتب فتح في عمان.
وكان المصري أسهب في حلقة أمس من "سياسي يتذكر" في سرد ذكرياته إبان تسلمه مهام وزارة الخارجية، وأهم مفاصل عمله في حكومة أحمد عبيدات، والحكومة التي جاءت بعدها برئاسة زيد الرفاعي.
كما سرد المصري الذي تجاوز عمر بقائه في وزارة الخارجية أكثر من خمس سنوات، تفاصيل مهمة حول قبول الأردن عقد منظمة التحرير الفلسطينية لمؤتمرها السابع عشر في عمان، وأن تلك الفرصة كانت علامة فارقة في العلاقة بين ياسر عرفات والراحل الحسين.
كما تحدث المصري عن عودة العلاقات الأردنية المصرية ومخالفة قرار جامعة الدول العربية بمقاطعة مصر بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد، حيث تسبب ذلك في توتر العلاقة بين القصر ورئيس الحكومة أحمد عبيدات الذي كان له موقف مُبرر من خطوتَي الملك في اتفاق عمان وعودة العلاقات مع مصر.
اليوم يستزيد المصري في عرض ذكرياته السياسية ويتحدث عن ظهور ابو الزعيم في المخيمات، وعن لحظات اغتيال القائد الفلسطيني المناضل ابو جهاد (خليل الوزير).
ويروي بصوت متهدج وعيون دامعة لحظات استشهاد عمه ورفيق دربه ظافر المصري رئيس بلدية نابلس، الذي كانت مراسم تسليمه لمهام رئاسة البلدية رغم أنف الاحتلال الإسرائيلي وبعد حمله على الاكتاف بمسيرة حاشدة حضرها أهل نابلس وسكانها.
كما يتحدث المصري عن دعوة الراحل الحسين لعقد قمة "الوفاق والاتفاق" في عمان لدعم العراق في حربه مع إيران، وجاء انعقاد القمة بعد انقطاع دورية عقد القمم العربية، وكيف أن الراحل الحسين بذل جهدا استثنائيا في تلك القمة التي حضرها ملوك وأمراء ورؤساء العرب، وفي مقدمتهم الخصمان صدام حسين وحافظ الاسد.
وبعد القمة بفترة قصيرة يقدم المصري شهادته باللحظات الأولى لاندلاع انتفاضة أطفال الحجارة، معتبرا بأن نضال الشعب الفلسطيني في تلك الفترة أدخل مصطلح الانتفاضة السلمية لمفاهيم الثورات الشعبية في العالم.
- في الحلقة السابقة تحدثنا عن زيارتكم كوزير خارجية لموسكو، ولقاء جروميكو، ووصلنا الى مغادرتك الى لندن، هل كان الالتحاق بالراحل الحسين في لندن، استكمالا لذات الجهد، في دعم الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير، على أساس الاعتراف بقرار 242؟
- صحيح؛ وصلت إلى لندن وأبلغت جلالة الملك بما جرى معي في موسكو، واعتبرنا ذلك اختراقا لتحفظ السوفيات على الاتفاق المشترك، وأوصى الحسين بضرورة استكمال جهودنا بإقناع لندن ورئيسة وزرائها مارغريت تاتشر باستقبال الوفد المشترك، ليكون اعترافا من بريطانيا بطريقة غير مباشرة بالمنظمة.
لكن هذا الجهد تم التخطيط له في عمان، وليس في تلك الزيارة؟
- نعم؛ كان لنا، وكما ذكرت نشاطات سابقة على صعيد العمل الدبلوماسي، حاولنا من خلالها سحب دول اوروبية وغربية أساسية للاعتراف بالمنظمة.
وأدار هذا الملف زيد الرفاعي بنفسه. في تلك الأيام زارت تاتشر عمان، وبحث الرفاعي معها الأمر بجدية مطلقة، وراوغت تاتشر كثيرا، لكن كان للرفاعي دور كبير في الضغط عليها، من أجل القبول باستقبال لندن الوفد المشترك.
ولما شعر الرفاعي بمرونة موقف تاتشر، اقترح فورا اسمين عن الجانب الفلسطيني؛ الأول كان المطران إيليا خوري، وهو مطران الطائفة الانجليكانية في الأراضي المقدسة، وهو في نفس الوقت عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهو تابع بصفته الدينية للكنيسة الرسمية التي تترأسها الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا، وكان خيارا ذكيا من الرفاعي، إذ لم تستطع تاتشر التهرب منه، أما الشخص الثاني، فكان عضو اللجنة التنفيذية في المنظمة ورئيس بلدية حلحول المُبعد محمد ملحم (ابوعلاء)، وكانت تاتشر تعرفه جيدا، وأبدت إعجابها سابقا بمواقفه المعتدلة.
رغم ضغط الرفاعي على تاتشر، إلا أنها اشترطت وقبل أن يجري اللقاء بأن يصدر الجانبان بيانا صحفيا، يتم فيه ذكر قرار 242 واعتراف المنظمة به. وكانت وزارة الخارجية البريطانية، عندما طلبنا لقاء تاتشر بعدها، في لندن اعتبرت بأن مسألة البيان تم حسمها قبل إجراء اللقاء، وأن الخطوة موافق عليه.
طبعا، كنا في الأردن في الفترة ما بين شرط تاتشر، وبين لقائها في لندن، نعمل على موضوع البيان، ونحاول الضغط على المنظمة.
في تشرين أول (اكتوبر) العام 1985 سافرت من نيويورك، التي حضرت فيها دورة الأمم المتحدة، إلى لندن، للانضمام للوفد الفلسطيني، وتحضير ترتيبات اللقاء مع تاتشر.
وكان محمد ملحم موجودا، وقبل اللقاء اطلع ملحم على البيان، وتفاجأ به، وقال: بأنه لا يحمل أي تعليمات من المنظمة تسمح له الاعتراف بالقرار 242، وانه يسمع بذلك للمرة الأولى.
ارتبكنا هناك، وكان موقف وزارة الخارجية البريطانية واضحا، بأن اللقاء لن يتم إلا بإصدار البيان، والاعتراف بالقرار 242.
اتصلت مباشرة بالرفاعي، وسألته عن سوء التفاهم الحاصل، وحسب الرفاعي، فإن تفاوضه في الأمر جرى مع إيليا خوري، باعتباره عضو اللجنة التنفيذية، الذي سيكون بالوفد واطلع عليه ابو ماهر ووافق على مضمونه.
الرفاعي، وكما فهمت، اعتقد بأن موافقة ابو ماهر هي تفويض منه بالقبول.
في هذه الاثناء، كان محمد ملحم (ابو علاء) يجري اتصالاته مع قيادات المنظمة، وبعد جهد، وصل إلى عرفات، الذي كان يقوم بزيارة إلى الخرطوم، طبعا تنصل ابو عمار من معرفته بالأمر، وكان حادا في رفضه لهذا (الفخ)، كما وصفه، واستغرب كيف أن وجود ابو جهاد (خليل الوزير) في عمان، وهو الأعلى مرتبة في منظمة التحرير الفلسطينية ولم يتم إطلاعه على البيان، حيث لم يطلعه إيليا خوري على موافقته.
هنا امتنع الوفد الفلسطيني عن الحضور، وعندما علم الراحل الحسين بالأمر، طلب مني أن أحضر اللقاء في الموعد المحدد، وقابلت وزير الخارجية البريطاني منفردا، وكان للصحف البريطانية، اليوم التالي من ظهوري مع وزير الخارجية، من دون الوفد، تعليقات سلبية، حول عدم التزام المنظمة بموقفها.
لهذه الأسباب دعمت مؤسسات رسمية أردنية في ذلك الوقت عطاالله عطاالله (ابو الزعيم) في حضوره أردنيا؟
- في تلك الفترة، جرى إغلاق مكاتب فتح، وطلب من ابو جهاد مغادرة الأردن، ووقعت حادثة جامعة اليرموك (1986)، التي توفي فيها ثلاثة طلاب. وتزامن ذلك مع ظهور ابو الزعيم، في المخيمات، وتنفيذه لزيارات ميدانية، وعقده لمهرجانات خطابية، كان له فيها مواقف سلبية وناقدة لياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكان مدعوما في وقتها من مؤسسات أمنية وسياسية، وتم توظيف كل ذلك ضد المنظمة، كموقف رسمي، لكن ليس معلنا.
كنت من موقعي في وزارة الخارجية رافضا لهذه السياسات، باستثناء قناعتي ودعمي للاتفاق الأردني الفلسطيني، لكن تلك المواقف كانت تسبب الحرج لموقفنا السياسي، إذ كانت تلقى الرفض وعدم القبول من جهات كثيرة.
ومنذ تلك الأحداث بدأت علاقتنا بمنظمة التحرير تتشعب وتتوتر، وكان فيها محطات من التراشق الإعلامي والسياسي، والاصطفافات التي كانت تنشأ بناء على ذلك.
في تلك الأيام اغتيل ابو جهاد أيضا؟
- يومها، ايقظني مندوب المنظمة عبد الرزاق اليحيى، في وقت مبكر من الصباح، وأبلغني باغتيال أبو جهاد (نيسان 1984)، وتأثرت كثيرا، لأنني كنت على اتصال مباشر به، وكنت معجبا بهدوء مسلكه ودبلوماسيته، وكان له كاريزما تجعله قريبا من القلب.
أبلغت الرفاعي بعد اتصال اليحيى، وبدأنا نتعامل مع الموقف، وأستأذنت الملك الحسين بالموافقة على دفن ابو جهاد في عمان، ووافق فوراً. وبدأنا بالتحضير لوصول جثمانه من تونس، وبقينا بانتظار موافقة منظمة التحرير، وأسرة ابو جهاد على دفنه في عمان.
واجتمع في مكتبي بوزارة الخارجية كبار المسؤولين لتنظيم سير الجنازة، والمحافظة على الامن، وكان من بينهم وزير الداخلية وقتها رجائي الدجاني، وكنا جادين في الأمر، وهيأنا جنازة مهيبة، تليق بنضالية أبو جهاد، لكن المنظمة واسرة الوزير، التي تقيم في مخيم اليرموك بسورية، قررتا أن يدفن ابو جهاد في سورية.
ولم أخجل عندما صارحت عبد الرزاق اليحيى، بأن عائلة ابو جهاد مخطئة بقرارها المتسرع.
• قبل الابتعاد أكثر عن مشاركتك في حكومتين متعاقبتين وحملك حقيبة الخارجية فيهما، كان هناك موقف عائلي مؤثر وهو استشهاد عمك ظافر المصري؟
- كلما تذكرت عمي ظافر أتأثر كثيرا، وكأن الحادثة وقعت أمامي الآن، فهو ليس عما لي وحسب، بل زميل دراسة، فقد قطعنا الطريق إلى المدرسة سوية، وتزاملنا على مقاعد الدراسة عشر سنوات متواصلة على ذات المقعد، وهو رفيق الصبا والعمر.
فظافر، رحمه الله، هو من نفس عمري، وتربينا معا، وكنا كالأشقاء، ولا أذكر في تلك الأيام الأولى أننا افترقنا طويلا عن بعضنا، ونشأت بيني وبينه علاقة تجاوزت علاقة الدم، بل هو كان وما يزال أعز الأصدقاء وأقرب المقربين، ولنا صولات وجولات تلك الأيام، التي كبرنا فيها، وكبر وعينا وهمنا سوية.
استشهد ظافر أوائل آذار (مارس) العام 1986، في حادثة بشعة وبجريمة مدبرة، وبطريقة غادرة. فظافر لم يكن أقل وطنية من الذين أطلقوا عليه الرصاص غدرا، كما أنه لم يخالف مبادئه الوطنية الفلسطينية السامية، وإلا ما سر التفاف الناس حوله وتذكرهم له حتى يومنا هذا.
كان رحمه الله عند استشهاده رئيسا لبلدية نابلس؟
- لقد كان زعيما وطنيا قبل ذلك، وله تأثيره على مجتمعه بطريقة عفوية، فشخصيته الكاريزماتية أكسبته شعبية واسعة، وتركت له رصيدا من محبة الناس، جعلته مرجعا لنابلس وأهلها، فهو شخص مؤمن بقناعاته، ولا يستعرض بقوله أو فعله. ظافر، رحمه الله، كان شخصية غريبة ذلك الزمن، فهو رغم صعوبات الحياة، التي واجهها، كان يسري في الليل بين الناس، يتفقد أحوالهم خلال ظروف الاحتلال الصعبة، ولم يكن يخشى في الأمر أي قوة، تمنعه عن ممارسة ذلك، فهو كان محبا لأهله وناسه ومؤمنا بقضيته.
لكن لقصة تسلمه بلدية نابلس قبيل استشهاده موقف تاريخي، يُسجل لنابلس وأهلها؟
- صحيح؛ فاسرائيل كانت حلت البلديات المُنتخبة في الضفة الغربية بعد الاحتلال، وعينت ضباط احتلال، كرؤساء للبلديات، فساءت كل أحوال المدن، وحدثت فوضى لا مثيل لها في حياة الناس.
في تلك الظروف القاسية، ونتيجة لغياب أي فرص لتنظيم المجتمع المحلي؛ بدأت الأصوات تعلو، بضرورة حل يخرج الناس من هذه الفوضى والتخريب. وأمام واقع بأن لكل مدينة في الضفة الغربية خصوصيتها، فقد أصبح هناك مطلب في نابلس، بأن يتولى رئاسة بلديتها شخصية معروفة، مثل ظافر المصري، ولكن ليس بتكليف من الاحتلال بل بمسؤولية من منظمة التحرير الفلسطينية ومن الأردن، حيث لم يقبل ظافر أي طرح، يقول بتسلمه البلدية بتكليف من سلطات الاحتلال.
وبدأ الترتيب للفكرة، من خلال الاتفاق مع خليل الوزير (ابو جهاد)، الذي كان مسؤولا عن الجبهة الغربية، كما تم الاتفاق مع الحكومة الأردنية على دعم هذا القرار.
وقد كنت ذلك الوقت شاهدا على هذه الاتصالات والموافقات، فقد أصطحبت عمي ظافر إلى المسؤولين الأردنيين وقتها، فذهبنا إلى زيد الرفاعي، الذي كان رئيسا للوزراء، وزيد بن شاكر، الذي كان قائدا عاما في المملكة، وله صلة بالأمن القومي، وكان يدعم تلك الزيارات ابو جهاد ويباركها على طريق تقديم ظافر كرئيس لبلدية نابلس.
هل تم تعيينه رئيسا للبلدية بدل انتخابه؟
- اعتقد بأن ظافر استلم مسؤولية رئاسة البلدية بطريقة أهم من الانتخاب، وقطعا أهم من التعيين.
فظافر كان حريصا على أن لا يخطو أي خطوة إلا ضمن مفهوم وطني فلسطيني، فقد كان محسوبا على فتح وقريبا من قياداتها.
تم الاقتراح حينه أن يتسلم رئيس وأعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة نابلس، الذي كان ظافر رئيسه، رئاسة بلدية نابلس، بعد التنسيب بذلك، ومباركة المنظمة الفلسطينية، وفعلا أصبح رئيس وأعضاء غرفة التجارة رئيسا وأعضاء لمجلس بلدية نابلس. واجتمع المجلس في غرفة التجارة، وكانت جماهير المواطنين خارج مبنى الغرفة، وساروا في مظاهرة شعبية حاشدة، وصولا إلى مبنى البلدية، ويتقدمهم ظافر وأعضاء الغرفة، بل حمل ظافر على الأكتاف، واقتحموا به البلدية واستلموا مقاليد المسؤولية بهذه الطريقة.
هل سمحت إسرائيل بذلك؟
- هي استسلمت للقرار، فالإرادة الشعبية لأهل نابلس في تلك الحالة تسببت في إجبار الاحتلال على إعادة النظر في طريقة تعامله مع الرفض والاحتجاج المحلي، كما أن رئيس البلدية وأعضاء المجلس الجديد يشكلون عمقا اجتماعيا مهما، فهم ليسوا قيادات بالصدفة، فهم نالوا ثقة الناس عن سابق جدارة واستحقاق، لذلك كان لهم حضور مؤثر في الشارع وعلى الناس.
كما أن هناك قيمة أخرى لاستسلام الإسرائيليين للقرار، وهي مباركة الأردن لهذه الخطوة، وهو مؤشر قد جعل اسرائيل تغض الطرف على ما قام به أهل نابلس مع البلدية.
وهو درس مهم يذكرنا بقدرة الشعوب على كسر قيود أي حصار واحتلال عبر الإرادة الصادقة.
• وكيف استشهد رحمه الله؟
- بعد نحو أربعة أشهر من تسلمه رئاسة البلدية، وفي آذار "مارس" العام 1986، باغت مجرم جبان، قليل المروءة والرجولة، مريض فكريا ونفسيا، عمي ظافر بإطلاق رصاص الغدر عليه، دون مواجهته، حيث أطلق رصاصاته الغادرة من الخلف. والغريب والمُستنكر في أمر استشهاد ظافر بأن اغتياله بهذه الطريقة الغادرة جاء خلال واحدة من جولاته التفقدية لأحوال أسر من أهل نابلس.
فقد كان ظافر شخصية صاحبة مسؤولية صادقة، وأقول هنا بكل قناعة وإيمان، بأن ظافر أرهقه العمل العام، وتحمله للمسؤولية، وكان يخاف التقصير بواجباته في العمل العام، وكان يصل ليله بنهاره، دون أن يهدأ في ممارسة أعماله، التي كان يؤديها بكل مثابرة حبا لنابلس وأهلها، وقد لقب بأبي الفقراء. وبعد استشهاد ظافر فُجع الجميع باغتياله، حيث أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسؤولياتها عن اغتياله.
في تلك الأيام، أعلن الحداد العام في نابلس، ورُفعت الأعلام السوداء، وجرت له جنازة خرجت فيها نابلس عن بكرة أبيها، حيث تناقلت الصحافة العالمية نبأ استشهاده.
كما أعلن ياسر عرفات بأن ظافر هو شهيد حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وأذكر بأن أشهر مجلة سياسية في فرنسا، واسمها (لانوفل أوبزرفاتور)، وضعت صورة ظافر على غلافها في الصفحة الأولى، كما احتوت الصفحة الأولى من الغلاف أيضا صورة لرئيس الوزراء السويدي المشهور "أولف بالمه"، الذي اغتيل في نفس يوم استشهاد عمي. لقد كان خبرا مؤلما ومُفجعا، وزاد من وجعي بوفاته بأني لم أستطع المشاركة في جنازته وتقبل العزاء فيه.
ولماذا لم تستطع أن تكون هناك في هذا الظرف الصعب؟
- كنت وزيرا للخارجية في الحكومة الأردنية، وهو ما كان يمنعني من زيارة الضفة الغربية المحتلة، وهذا أمر كان صعبا علي جدا، فقد انقطعت عن رؤية الأهل والأقارب هناك لمدة طويلة.
حتى والدي، رحمه الله، لم استطع حضور جنازته، وتقبل العزاء فيه لذات السبب، وكل ما كنت استطيع فعله هو أن أطلب من أسرتي هناك بأن يأتوا بوالدي على الجسر بسيارة إسعاف، وأمضي معه فترة من الوقت، لأراه ثم يعود هو لنابلس وأنا إلى عمان. كانت أياما صعبة، حتى عند وفاة والدتي، رحمها الله، فبالكاد استطعت أن اتدبر الأمر واللحاق بجنازتها في نابلس.
وكيف استطعت دخول نابلس؟
- كان هذا بعد توقيع اتفاقية وادي عربة، وبعد تبادل العلاقات الدبلوماسية والرسمية، ففي 1-1-2002 توفيت والدتي رحمها الله في نابلس، فطلبت من وزير خارجيتنا عبد الإله الخطيب أن يسهل لي عملية الذهاب لنابلس، وفعلا فقد سهل لي الإجراءات وجاء بسيارة من سفارتنا بتل أبيب أقلتني إلى نابلس، واستطعت حضور التشييع والعزاء.
بالعودة لذاكرتك السياسية في تلك الأيام، كانت لك محطة مهمة في مؤتمر القمة العربية في عمان، الذي عقد تحت عنوان "قمة الوفاق والاتفاق"؟
- قمة عمان العام 1987، والتي انعقدت بشعار جسد أهدافها، وهو "الوفاق والاتفاق"، كانت محطة مهمة في تاريخ المملكة السياسية، فليس سرا ما بذله الراحل الحسين في التحضير للقمة ودعوة الرؤساء العرب، حتى المتخاصمين، لحضورها، فحضرها الخصمان المزمنان حافظ الأسد وصدام حسين.
عقدت قمة عمان "الوفاق والاتفاق" بعد انقطاع طويل للقمم العربية، فنتيجة الأحداث العربية المتلاحقة، انقطع عقد القمم، وتعطلت دورية الانعقاد لأسباب تتعلق بحرب بيروت من جهة، والأوضاع التي عايشتها منظمة التحرير بعد خروجها من بيروت من جهة أخرى.
كان لأحداث بيروت تبعاتها، كما كان لصعوبة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الذي رحب الملك الحسين باجتماعه في عمان، وبدأ التحضير بعده لاتفاق عمان بين الأردن والمنظمة، والمقاطعة العربية لمصر بعد اتفاق كامب ديفيد، كلها أسباب أثرت على انتظام مواعيد عقد القمم العربية.
وكان ملك المغرب ما يزال رئيسا للقمة العربية، وكان يريد الراحل الحسين ضخ دماء جديدة في أجندة القمم، فعمل الراحل جاهدا على عقد القمة في عمان، وكان محقا في ذلك، لأن وضع الشرق العربي كان مضطربا، بسبب الحرب العراقية الإيرانية وخطرها على دول المنطقة.
كان صدام حسين يخوض تلك الحرب بالإنابة عن منطقة الخليج بأسرها، وهو الذي قدم التضحيات في تلك الحرب، وكان الملك حسين يريد من القمة أن تهدئ النفوس العربية، وبالتحديد بين سورية والعراق، ونجح الحسين في الضغط على الأسد وصدام لحضور القمة.
كنت وزيرا للخارجية وقتها، وكنت شاهدا على الجهود الكبيرة التي بذلها الحسين لترطيب الأجواء العربية الملبدة بالخلافات، وحاول بكل قوته إجراء مصالحات بين الرؤساء الذين حضروا القمة.
تم الترتيب للقمة بطريقة منظمة، واستحسن الحضور تلك الترتيبات وسلاسة الإجراءات وجدول الأعمال وقراراتها.
لكن كان لا بد من أن تحدث اخطاء أو هفوات، وأذكر جيدا كيف أن ياسر عرفات دخل اجتماع القمة متجهما، ويبدو على ملامحه الغضب الشديد، وعرفنا بأن سبب غضبه هو مستوى استقباله بالمطار، حيث استقبله رئيس الحكومة زيد الرفاعي وليس الراحل الحسين، وكان يريد أن يستقبله الحسين، كونه رئيسا لمنظمة التحرير التي تمثل الشعب الفلسطيني، وأظهر عرفات مشاعره الغاضبة تلك خلال اجتماعات القمة. وطبعا، أظهرت متابعات في بعض الإعلام الفلسطيني هذا الغضب.
• تزامن ذلك أو تبعه بوقت قليل اندلاع الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني؟
- بعد أيام من انتهاء القمة العربية في عمان؛ خرجت مظاهرة من احدى مدارس خان يونس للبنات بقطاع غزة، وصادف أن مرت شاحنة عسكرية اسرائيلية، وقامت بدهس اربع من البنات واستشهدن. واندلعت من غزة أولى الاحتجاجات على هذه الجريمة البشعة، وكانت احتجاجات موجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومن هناك بدأت الانتفاضة الفلسطينية، وأخذت طابعا نضاليا، لم تعهده مفاهيم المقاومة في العالم، حيث استعمل الحجر، وكانت انتفاضة شعبية سلمية، في مواجهة مُحتل إسرائيلي مدجج بالسلاح.
وقد أدخلت المقاومة الفلسطينية وتجربتها النضالية تعبيرا جديدا إلى لغة التعبير عن كافة الانشطة الشعبية بالعالم، وهو الانتفاضة.
طبعا الانتفاضة الفلسطينية أخذت وضعها على الأرض، وحصدت الإعجاب بنضال هذا الشعب الصامد، وبتضحياته التي يبذلها على الأرض، كما صاغت الانتفاضة الفلسطينية من جديد معاني الوحدة العربية في دعم القضية الفلسطينية.
وأمام هذا الظرف الجديد، كانت لنا في الأردن وقفة داعمة لانتفاضة الشعب الفلسطيني، وقد وجه الراحل الحسين كل أجهزة الدولة للتعاون مع الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم المادي والمعنوي على المستويات كافة، كما كانت عمان هي الممر الآمن لإيصال كل المساعدات والمعونات العربية إلى الداخل الفلسطيني.