رسالة إلى دولة السيد علي ابو الراغب
رسالة حول مقابلة لي لصحيفة الدستور بتاريخ 18/12/2002 وتاريخ الرسالة 29/12/2002
تلقيـــت ببالغ الشكر والامتنان رسالة دولتكم وتوضيحات معالي وزير التخطيط (باسم عوض الله) علـــى بعض جوانب المقابلة التي أجرتها معي صحيفة الدستور بتاريخ 18/12/2002. وأقدر الجهد والاسلوب الحضاري في الرد وفي ايضاح وجهات النظر. ولكي لا يبدو أن الرد جاء على خلفية الآراء التي أبديها بشكل شخصي، فإنني أتمنى على دولتكم أن تعملوا على نشره في وسائل الإعلام، تعميماً للفائدة وتوضيحاً للعديد من السياسيين والاقتصاديين والمهتمين بالشأن العام، الذين يبدون آراء مشابهـــة إما من خلال المقالات أو الندوات أو المحاضرات أو المقابلات الصحفية. كما أشعرني الرد بمدى اهمام دولتكم بما أدلي به من أقوال وآراء وبأهميتها. وهو أمر يدعو للرضا والامتنان معاً.
ومن هذه الروحية، فإنني أرجو أن أوضح لدولتكم ما يلي:
- إن جوابي على السؤال حول الأوضاع الاقتصادية، والذي أستوجب الرد، كان جواباً عاماً ومختصراً ولم يخلص بنتيجة محددة. فقد استعرضت في الرد 3 احتمالات لا رابع لها حول النمو الاقتصادي في الاردن :
الأول: إن فئة قليلة من الشعب تستفيد من هذا النمو ولا تشعر به بقية طبقات المجتمع.
والثاني: أن الأرقام الرسمية العائدة لنسب النمو غير دقيقة.
أما الاحتمال الثالث فهو أن الأرقام الرسمية صحيحة (ولكن المواطنين إعتادو على الشكوى والتذمر).
وفـــي تقديري، فإن هذا الاستعراض للاحتمالات هو استعارض عادل وموضوعي، خاصة إنني قمت بسرد هذه الاحتمالات ولم اختر أياً منها، ولم أنحاز لأي منها بصورة محددة لكي ألقي عليه عبء اللوم والمسؤولية. ولو إنني أخترت الاحتمال الثاني وتعاملت معه، لحق للسيد الوزير أن يتهمين بأنني أعطيت إنطباعاً (يقوم على الشك والضبابية فيما يتعلق بمصداقية الحسابات القومية). ولكنني لم أفعل وانتلقت بسرعة إلى الاحتمال الثالث.
- في الاحتمال الأول، لم أنكر وجود نسب عالية للنمو، ولكنني قلت أن عوائدها تنحصر في فئة قليلة. وهناك إحصائيات وبيانات رسمية وأهلية كلها تشير إلى انحسار الطبقة المتوسطة لحساب اتساع طبقة الفقر والفقراء. وتقوم الحكومة بزيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية سنوياً بأرقام كبيرة لمواجهة هذا الوضع. ولا زالت أرقام فئة من هم تحت خط الفقر والفقر المدقع عالية بكل المعايير.كذلك هي أرقام العاطلين عن العمل. ولا زالت القوة الشرائية لشرائح واسعة من الناس محدودة جداً بالرغم من عدم ارتفاع نسب التضخم وتكاليف المعيشة. وهناك شعور عام له ما يبرره أن نسباً عالية من السكان تعيش على الأساسيات. ولهذا تنشط الجهود الرسمية والأهلية في دعم التكافل الاجتماعي، من خلال صناديق الدعم والمعونة، وحملات البر والإحسان، ولجان الزكاة، وتوزيع المواد الغذائية والعينية على الفقراء والمحتاجين.ويتم توسيع قاعدة التأمين الصحي، وقاعدة عمل صندوق المعونة الوطنية الذي قفرت الارقام المخصصة له في موازنة الدولة خلال سنوات قليلة بنسب عالية جداً. وتشير كل الدلائل إلى أن هذه القضايا والمشاكل هي في صلب البرامج الحكومية. وإن كتب التكليف السامي والبيانات الوزارية تعترف بوجود هذه الظواهر والحالات، وتركز على أن هدف الحكومة هو في التعامل معها وحلها بقدر الإمكان وبأسرع وقت. ولم ينفي رد السيد الوزير وجود هذه المشاكل والحالات، ولكنه أشار إلى أنه يتم التعامل معها لحلها واحتوائها. وهذا أمر مشروع ومقبول.
- إذن لا أجد ضيراً من الحديث عن هذه الناحية وبالطريقة والروحية التي وردت في المقابلة ولا يجب أن تثير هذه النقطة إزعاجاً لأحد أو توتراً.
- أما بخصوص الاحتمال الثاني، فأرجو ألا يثير توضيحي ضيق أحد لأن ذلك غير مقصود بحد ذاته، بل المقصود هو الشرح والتوضيح.
لقد أصدرت نفس الدائرة المتخصصة والتي تستند في أرقامها على (الأسس والمنهجيات العلمية والاحصائية المتبعة عالمياً) أرقاماً عن نسب النمو منذ عدة سنوات، ثبت فيما بعد أنها غير دقيقة.وقام صندوق النقد الدولي بالاعتراض عليها، وعدلتها دائرة الاحصاءات العامة بشكل جذري في وقت لاحق. حينها أصبحت تمثل فعلاً واقع النمو الاقتصادي في تلك الفترة.
قولي هذا لا يعني أن هذا هو حال أرقام النمو الحالية، ولا يعني أن الأمر سيتكرر أو أن الأرقام التي تصدرها تلك الدائرة تقع في نفس المضمار.أبداً. ولكنني أقرر واقعة حصلت وبقيت في أذهان الناس.
- أما ما ذكرته في الاحتمال الثالث، فإنه يقع ضمن ما ورد في رد السيد الوزير من أن الارقام صحيحة. ولا حاجة لي لتفسير أو توضيح ذلك.
- لقد حيرتني الفقرة الأخيرة من الرد التي تتعلق بموضوع الإنفاق والإيرادات. فالإنفاق الحكومة يزداد باضطراد منذ عقود طويلة كا يظهر من أرقام موازنة الدولة. كما تزداد إيرادات الدولة تبعاً لذلك.وتسعى الحكومة لزيادة إيراداتها من خلال الضرائب والرسوم لتواكب زيادة الإنفاق المتكرر والرأسمالي.وهذا أمر بديهي أشرت إليه بنفس هذا الاستعراض وهذه الروحية في مقابلتي الصحفية (... هذا البعد سيستمر ويواكبه إنفاق حكومي متزايد ولا يتراجع. لهذا تسعى الحكومة دائماً لإيجاد مداخيل لتمويل هذا الانفاق عبر الضرائب والرسوم).
ولم أفهم على ماذا يرد السيد الوزير في تلك الفقرة، وما الذي أثاره في هذه البديهيات. وهل يريد القول أن الحكومة لا تسعى لزيادة إيراداتها؟ ما لم نتحدث عنه كلانا في المقابلة وفي الرد هو عن نسبة العجز بين الإنفاق والإيرادات. وهو بين القصيد في أي تحليل اقتصادي لأرقام الموازنة العامة.وهو الأمر الذي يراقبه بدقة صندوق النقد الدولي ويقوم عليه برنامج الإصلاح المالي والنقدي. وقد تجاهلت هذ الناحية في المقابلة عن قصد وتحدثت عن البديهيات فقط.