عندما يتحدث طاهر المصري
تعقيب على مقال حماية الوطن بقلم محمد ابو رمان نشر في جريدة الغد 20/7/2009
طاهر المصري من الشخصيات السياسية المعدودة في البلد، التي تمتلك قدراً كبيراً من المصداقية والاحترام الشعبي، وتنسجم أقواله مع مساره، ويمثل بحق قدوة جيّدة للجيل الشاب، في أخلاقه وأدبه، وفوق هذا وذاك في إصراره على خطه الإصلاحي الديمقراطي.
وقد اختار بالأمس الإطلالة على الشارع الأردني من "الغد" في مقال مهم "حماية الوطن"، وفي توقيت مناسب تماماً، ليقدّم رؤيته لموضوع شغل الساحة السياسية والإعلامية خلال الشهور الأخيرة، ويدور في جوهره حول العلاقة الأردنية-الفلسطينية في شقها الداخلي، مهما اختلفت وتعددت تسمياته ومجالاته، سواء في السياسة أو الإعلام أو حتى كرة القدم!
لا يمكن القبول بسياسة الاستمرار في تجاهل الأسئلة المفخخة في المعادلة الداخلية من قبل الدولة أو حتى الطبقة السياسية أو النخبة الرفيعة من قامة المصري، ففي مقابل هذا الصمت ثمة "فراغ" يفتح المجال للأصوات المشوّهة والمتوترة لتتحدث باسم كلٍّ من الأردنيين والفلسطينيين وتُشعل حروباً أهلية إعلامية وسياسية وتحاول تعبئة الشارع خلف خطاب لن نجني منه إلا ظلالاً من الشكوك الاجتماعية والسياسية وتجذيراً للشقوق الداخلية.
المصري بالأمس، شقّ الطريق المطلوبة والصحيحة للتعامل مع سؤال المعادلة الداخلية ومواجهة التهديدات الإسرائيلية بفرض شروط الوطن البديل على الأردن من خلال سيناريو التوطين وإلغاء حق العودة وصور الوحدة الشكلية المفرّغة من مضمونها الحقيقي، والتي تصب في المحصلة باتجاه تصدير الأزمة إلى الأردن.
ملامح الموقف الذي عبّر عنه المصري تتمثل في محاور أساسية، الأول التأكيد على رفض الوطن البديل من قبل الجميع، والإصرار على حق العودة، والثاني وحدة الهدف الذي يجمع الكل في مواجهة المشروع الصهيوني اليميني، وهو ما يدعو للبناء على القواسم المشتركة بعيداً عن الخطابات الفئوية والجهوية "كلنا أردنيون من أجل الأردن، وفلسطينيون من أجل فلسطين"، وثالثاً الحذر من الانقلاب إلى الداخل وتفخيخ المعادلات الاجتماعية.
أحسب أنّ ميزة حديث المصري بالأمس، وهو السياسي المخضرم وصاحب المصداقية، أنه قفز على "اللغة الخشبية" التي يتحدث بها المسؤولون والسياسيون هنا، وتهوّن من شأن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلد، وتتجاهل التحول الكبير في المحيط الخارجي في تعريف دور الأردن الإقليمي وحدوده.
في أروقة القرار الرسمي المحلي تدور أحاديث وحوارات مكثّفة حول استحقاقات الحل النهائي ومطالبة الإدارة الأميركية العرب بالمسارعة في التطبيع والتخلي رسمياً وعلناً عن حق العودة، وهنالك ضغوط قادمة على الأردن لحل القضية الفلسطينية على حسابه من خلال برنامج كامل للتوطين يعيد هيكلة المعادلة الداخلية بأسرها، ويهدد الاستقرار الداخلي.
إذن، نحن أمام لحظة تاريخية حسّاسة تنتفخ بالاستحقاقات الكبرى حول تعريف العلاقات الداخلية وحدود الإصلاح السياسي المطلوب ومفهوم العقد الاجتماعي وصيغة العلاقة السياسية، وجميعها أسئلة وجودية وحيوية، تتطلب تجاوز الخطابات المأزومة أو الساكنة والتقليدية إلى اجتراح خيارات وتصورات تمنح فضاءً واسعاً للمستقبل.
الأهم من هذا وذاك استعادة الخطاب الوطني الجامع الذي ينبذ النزعة الإقصائية ويضع خطوطاً حمراء واضحة أمام تمرير أي صفقة مشبوهة على حساب الأردنيين والفلسطينيين معاً.
إنّنا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لخلق حوار داخلي عقلاني عميق وهادئ حول مسار الدولة والمجتمع وخيارات المستقبل واحتمالاته، وظلال السؤال الفلسطيني وسيناريوهات الحل النهائي على المعادلة الداخلية، وما يمكن أن يترتب عليها، فضلاً عن تداعيات التحولات الاقتصادية والتحول في مفهوم الدولة ودورها حتى على صعيد المعادلة الداخلية.
لا يمكن مواجهة هذه اللحظة دون استعادة الشارع لدوره من خلال مشروع إصلاح سياسي، سواء في فتح مجال الحريات السياسية والإعلامية والفعاليات السياسية، أو في انتخابات نيابية مبكرة تأتي ببرلمان قادر على تمثيل الناس.