أفكار حول قانون انتخاب جديد
محاضرة ألقيت في مجمع النقابات المهنية بتاريخ 7/9/1997
يعتبر مجلس النواب في أي نظام سياسي، محوراً هاماً من محاور العمل المؤسسي والديموقراطي والسياسي، وأصبح التعامل معه يعتمد على منهجية متعارف عليها تُبنى على أساسها وقائع الحياة السياسية والاستقرار في ذلك البلد، وقانون الانتخاب في أي بلد هو قانون أساسي ويجب أن يكون مستقراً، وسوف أطرح أمامكم بعض الافكار التي أعتقد أنها تؤدي لصياغة قانون انتخاب عصري وديموقراطي، وللأمانة فإنني أقول لكم إنني قد طرحت مثل هذه الأفكار في لقاء تم في مقر حزب الوعد في أيار 1996.
منذ عام 1989، أي عندما بدأ النهج الديموقراطي يتبلور بشكل أكثر وضوحاً من السابق، دار نقاش معمق، لم يتوقف حتى الآن، حول أي قانون انتخاب نريد، وما هي أسسه ومعاييره، وماذا نريد أن يحقق؟ ولن ينتهي الجدل حتى بوضع قانون جديد، لأن أمر قانون الانتخاب في بلدنا هو من الأمور الجدلية، وهناك دائما اجتهادات متعددة تحكم توجهات الفئات الشعبية والسياسية والمسؤولين من الصعب حصول إجماع عليها، وعدم اعتماد قانون انتخابي مستقر حتى الآن هو أحد مظاهر التخلف السياسي وربما التراجع الذي تشهده الديموقراطية حالياً، فكل بلدان العالم مهما كان نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، قد حسمت أمرها في هذا الأمر الجوهري، وأصبحت مؤسساتها السياسية والحزبية تتصرف على أساس قانون انتخاب مستقر وموافق عليه، إلا نحن.
ولكي نحصل على أكبر قدر من التوافق، وأعرض قاعدة من التأييد، فإنني أقول إننا نريد من قانون الانتخاب أن يكون ديموقراطياً يعتمد على أسس ومعايير مقبولة معترف بها، وأن يكون هدفه الأساســي إفراز تمثيل حقيقي للشعب الأردني حتى يكون المجلس كفؤاً ويمارس حقه في المساءلة والرقابة، وأي تلاعب في هذه المبادىء سيكون تلاعباً في النهج الديموقراطي وعلى دور المؤسسات الدستورية وبالتالي مسيئاً للوطن والمواطن.
وأبادر بالقول إنني أرغب بتقسيم قانون الانتخاب لأغراض المناقشة والتحليل إلى ثلاثة أقسام: القسم التنظيمي، والقسم المتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد المقاعد فيها، وقسم المبادىء العامة التي تحكم العملية الانتخابية برمتها وتحدد أهدافها وفلسفتها.
أما القسم التنظيمي، فلن أدخل كثيراً في تفاصيله، إلا أنني أدعو أن تكون العملية الانتخابية سهلة وميسرة على المواطن، وأن ترتكز على الأفكار التالية:
- ألاّ يكون هناك تسجيل سنوي للناخبين، ويعتبر كل مواطن بلغ الثامنة عشرة من عمره ناخباً مؤهلاً وعملية التسجيل الوحيدة تكون في تحديد مكان اقتراعه حسب معايير معينة، وتقوم دائرة الأحوال المدنية بتجهيز الجهة المعنية بتنظيم الانتخابات بأسماء الناخبين المستوفين للشروط قبل فترة معلومة من بدء العملية الانتخابية.
- يكون مكان اقتراع الناخب محكوماً بمعايير محددة ومقبولة، كأن يتقرر أن يكون المعيار هو عنــــوان السكـــن الحالي أو مكان العمل أو الأصل الجغرافي، أما أن تبقى الأمور كما هي عليه الآن، فإن هذا يعني أن تبقى هجرة دفاتر العائلة من دائرة انتخابية إلى أخرى في كل دورة انتخابية وحسب رغبة المرشح أو العشيرة، وهذا مظهر من المظاهر اللاديموقراطية في العملية الانتخابية، وهي (اي هجرة دفاتر العائلة) امر غير لائق ويحد من قدر الناخب والإنسان الأردني.
- تقوم وزارة الداخلية بتنظيم سجلات الناخبين على هذا الأساس وتحدد مراكز الاقتراع بحيث تكون قرب أماكن سكن الناخب أو عمله، وأن يكون الاقتراع لأفـــراد العائلة في نفس المكان، مع عدم فصل أماكن اقتراع الإناث عن الذكور.
- تقليص المدد المعلن عنها في قانون الانتخاب الحالي بحيث يتسنى للحكومة الإعلان عن إجراء الانتخابات النيابية خلال مدة شهرين، إذا إقتضت الحاجة لذلك وإذا ما طبقت النقطة الأولى المذكورة أعلاه، فإن مدد التسجيل والاعتراض والاحتكام إلى القضاء تلغى أو تقلص.
- البطاقة الانتخابية ضرورية لأي عملية إنتخابية ديموقراطية ومنظمة، وتدرج في بطاقة المعلومات الشخصية والانتخابية المناسبة لتسهيل أمر الانتخاب على الناخب ولجنة الاقتراع، ويتم تسليم البطاقات بطريقة مختلفة عما هو متبع الان.
- إجبارية الانتخاب غير ضرورية وغير ديموقراطية، ويترك للمواطن حقه في تقرير رغبته في الاقتراع أو عدمه.
أما فيما يتعلق بتقسيم الدوائر وتحديد عدد المقاعد فيها، فإنني أرى أن هناك ظلماً وتجاوزاً في القانون الحالي على فئات كثيــــرة، وأن المزاجية والإقليمية وقصر النظر قد فرضت نفسها عل مواد القانون، ولا بد من إعادة النظر بشكل شامل وجذري في تحديد الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد فيها، بالاعتماد على أسس ومعايير محددة لتقرير ذلك، كأن يقال إن لكل كذا ألف نسمة مقعداً نيابياً واحداً، على ألاّ يقل عدد مقاعد تلك الدائرة عن مقعدين مثلاً.ولا بأس لدي من أن تعطى بعض المناطق الشاسعة المساحة قليلة السكان، تمثيلاً يزيد قليلاً عن المعيار المحدد، ولا بأس لدي من أن تعطى بعض المناطق الشاسعة المساحة قليلة السكان، تمثيلاً يزيد قليلاً عن المعيار المحدد، وأود أن أقترح هنا ما يلي:
- يزاد عدد أعضاء مجلس النواب ليصبح (100) ويحدد عدد أعضائه بشكل نهائي بعد الاتفاق على تحديد المقاعد لكل دائرة انتخابية حسب المعايير المذكورة أعلاه.
- تقسم المملكة إلى (50) دائرة انتخابية بحيث يخصص لكل دائرة انتخابية مقعدان، وسوف يسمح هــذا الأمر للناخب اختيار مرشحه الأول لاعتبارات عشائرية لا نستطيع تجاهلها في الوقت الحاضر، ويعطي خياره الثاني للمرشح الأكفأفي نظره، وبهذا الترتيب يتحقق للمواطن المساواة في انتخاب عدد متساو من المرشحين في أي دائرة انتخابية، وتفرز الانتخابات مجلساً قوياً.
وتنظيم الدوائر الانتخابية بشكله الحالي، الذي يسمح بوجود دوائر انتخابية يتراوح عدد المقاعد فيها ما بين مقعدين وتسعة مقاعد أصبح تنظيمياً غير منطقي وغير منهجي، خاصة في ظل نظام الصوت الواحدى، ولست مع جعل الدائرة بمقعد واحد وتقسيم المملكة إلى (100) دائرة انتخابية.
الاقتراح الأفضل من كل هذا، وهو اقتراح أعترف أنه نظري ومن الصعب جداً تطبيقه حالياً في ظل المنهجية والخطاب السائدين، وهو أن تقسم المملكة إلى ثلاثة أقاليم أو ولايات: الشمال – الوسط – الجنوب. وتحدد عدد مقاعد كل إقليم حسب المعايير التي ذكرتها.ويتم توزيع الدوائر الانتخابية في كل إقليم مخترقاً التقسيمات الإدارية والاعتبارات العشائرية، بتخصيص مقعدين لكل دائرة إنتخابية في المملكة. ويحقق هذا الاقتراح الفوائد التالية:
- عدالة التوزيع للمقاعد وفق الأسس والمعايير المطلوب تبنيها في قانون الانتخاب الديموقراطي والعصري الذي ننادي به، ويؤخذ بعين الاعتبار عوامل السكان والجغرافيا ويبعد الحساسيات المعروفة عند تطبيقه.
- امتصاص بعض عوامل الشرذمة والفئوية والجهوية البغيضة، التي بدأت تظهر على سطح المجتمع الأردني، والعمل على تماسكه وتقوية أسسه وتوجهاته، كما أنه يقوي التوجهات الحزبية لدى المواطنين، ويساعد على إفراز نواب للأمة لا نواب خدمات.
سيؤدي هذا التقسيم الانتخابي، فيما إذا تم تبنيه، إلى تسهيل تطبيق الحكم المحلي وتخفيف المركزية الإدارية، وتوسيع الوحدة الإدارية العليا إلى وحدة الإقليم بدلاً من وحدة المحافظة، وهو الإجراء السليم والمأمون لتطبيق مبدأ الحكم المحلي وتخفيف المركزية الإدارية، وإبقاء الوحدات الإدارية صغيرة أو ضيقة، وإعطاء الحكام الإداريين صلاحيات واسعة لإدارتها، فيها مخاطر سياسية وإدارية جمة.
أما المبادىء العامة التي يجب أن يتم تلبيتها في القانون الجديد فإنها تتلخص فيما يلي:
- إلغاء قانون الصوت الواحد، فقد أضر هذا التعديل على القانون بالنسيج الاجتماعي وبتماسك المجتمع الأردني، وحول العشيرة من وحدة اجتماعية إلى وحدة سياسية وأصبحت تنافس الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في اجتذاب الولاءات لها، وإذا ما تم القبول باقتراح تحديد مقعدين لكل دائرة انتخابية، فإن إلغاء الصوت الواحد يصبح أمراً سهلاً.
- إلغاء نظام الكوتا لأي فئة أو قطاع تدريجياً، بدءًا بتخصيص مقاعد للبدو، فهم عرب مسلمون وتمييزهم عن باقي مواطني المملكة غير منطقي بل غير دستوري، وبالرغم من التناقض الظاهر في هذه الفقرة، وعدم اتساقها تماماً مع الدعوة إلى قانون انتخابي وديموقراطي عصري مبني على قواعد وأسس ومعايير ثابتة ومحددة، بالرغم من هذا كله، فإنني أقبل بإلغاء كوتا المناطق الانتخابية للبدو أولاً على أن يستكمل إلغاء الكوتات الأخرى في وقت لاحق.
- جعل الإشراف على الانتخابات النيابية منوطاً بلجنة عليا للانتخابات تشارك بها السلطة القضائية، وليس بالضرورة منوطة بها فحسب، وتشارك بها شخصيات وهيئات شعبية ورسمية.
- تعديل مواد الدستور التي تتعلق بالطعن في نتائج الانتخابات النيابية، ونقل صلاحية الطعن من مجلس النواب نفسه إلى السلطة القضائية.
إنني على قناعة تامة بأن إفراز قانون انتخاب متوازن، عصري وديموقراطي، سوف يؤدي إلى تماسك المجتمـــع الأردني، وإلى تقوية دور مجلس النواب، الذي هو عميد مؤسسات المجتمع المدني، وإن هذا الأمر هو في مصلحة الدولة بكل تفرعاتها ومؤسساتها وفي مصلحة المستقبل والأجيال القادمة.