فرض إسترايتجية المجتمع المدني العربي بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان
ألقيت هذه المحاضرة باعتباري المفوض العربي لمؤسسات المجتمع المدني في جامعة الدول العربية بتاريخ 3/12/2004
إسمحوا لي أولاً أن أشكركم باسمي وباسم جامعة الدول العربية على جهودكم الداعمة في تنظيم هذا الحدث الهام، وأخص بالذكر فريق استراتيجيات المجتمع المدني الذي يعمل علـــى تحقيق رؤية عربية بهذا الخصوص، وعلى الدعم المقدم من مؤسسة فريدريش ايبرث.
إن إقامة مثل هذه الندوات والحوارات التي يثريها حضور متميز من نخبة قادة المجتمــــع المدني ليؤكد على اندفاع مؤسساته المدنية نحو تفعيل دورها وجرأتها في المبادرة.
لقـــد أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تفرض حضورها حتى على الحكومات بوسائل ديموقراطية، وتأخذ دورها الطبيعي والطليعي في مجتمعاتها رغم كل الصعاب التي تواجهها، إن ما يمنح مؤسسات المجتمع المدني قوة هو تطوعيتها وأنها غير حكوميةولا تهدف إلى الربح، بالإضافة إلى الإرادة الكامنة في تحقيق انجازات حقيقية على ارض الواقع للمستفدين منها، ومؤسسات المجتمع المدني تتقوى أيضاً بفشل البرامج الحكومية في تحقيق التنمية الاجتماعية والإدارية وفي تغول السلطة التنفيذية في كثير من الأحيان على سلطات أخرى داخل الدولة. فتلجأ المجتمعات للبحث عن البدائل، وهذه المؤسسات تقدم بدائل موضوعية. ونجاحها في تأمين الاستمرارية يكمن في صفاتها المتجددة التي تعتمد الديموقراطية في قرارتها، وتراعي حقوق الإنسان والبيئة في توجهاتها، وإن معاييرها المعتمدة هي المساءلة والشفافية والمصداقية وتعزيز سيادة القانون.
نرى في مفوضية المجتمع المدني في جامعة الدول العربية أن دور مؤسسات المجتمع المدني آخذ في النمو والتطور المطرد، وأنها تساهم مساهمة فاعلة في خدمة قطاعات واسعـــة ومتنوعة في المجتمع، وأنها بالتزامها الدفاع عن مختلف فئات المجتمع التي تمثلها تواجه تحديات عديدة من خلال عملها سواء أكانت اجتماعية، اقتصادية، ثقافية أو سياسية. وإن دور جامعة الدول العربية من خلال المفوضية ومهمتها هو المساهمة في تسهيل عملها وتذليل الصعاب والتحديات أمامها وذلك وفق رؤية وخطة عمل عربية مشتركة، والانتقال النــــوعي والمؤسسي لعملها، وأن العلاقة تكاملية ما بين القطاع المدني والحكومي، دون أن يطغى دور أحدهما على الآخر، على قاعدة أن التنمية تعتمد على الشراكة والمشاركة بين جميع الأطراف ذات العلاقة وباتجاه تعزيز البناء المؤسسي.
إن حركة الاصلاح الشامل الذي ينادي به الجميع لا يمكن أن تتأتى إلا بجهد وضغط مؤسسات المجتمع المدني (التي لا شك أن لها دوراً سياسياً)، يتجسد في حركة النضال باتجاه صيغة توحد عمل مؤسسات المجتمع المدني العربي، وأن تكون هنالك رؤية عربية موحدة نحو جميع القضايا التي تهمه بدءًا من الاحتلالين الإسرائيلي لفلسطين والامريكي للعراق، وإنتهاءً بالبطالة والفقر وقضايا الصحة والتعليم والتنمية الشاملة.
إن شمول المنطقة بالنزاعات المسلحة من خلال الاحتلالين الذي تعاني منهما.ونوازع السيطرة على المنطقة لأكثر من سبب، سواءً أكانت اقتصادية أو جغرافية أو لفرض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، من خلال إرهابها واتهامها بالارهاب، لن تجابه إلا بالرفض الشعبي العارم، وبغض النظر عن الأسباب الواهية لذلك، فقد طفح كيل مشاعر أهل المنطقة بكيل الولايات المتحدة الامريكية بمكيالين في تعاملها مع إسرائيل والفلسطينيين وقضيتهم من جهة، وعن دفاعها عن الديموقراطية وحقوق الانسان واحتلالها للعراق من جهة أخرى. وتجاهلها التام للمواثيق الدولية المتعلقة بهذين الصراعين المؤثرين في عملية التغيير الاجتماعي في المنطقة والاصلاح السياسي فيها.
إلا أننا وفي نفس الوقت، نعاني في منطقتنا من الحكم الشمولي، الذي يغيب الديموقراطية وتعزيز دور مؤسسات الحكمكما نعاني من غياب عناصر الحكم الرشيد ومن فساد مستشر في الكثير من مؤسسات الحكم العامة. أسبابه كثيرة لكن أهمها تغييب دور القانون وسيادته، وهذا يعني ببساطة انتهاكاً لحقوق الإنسان، وللمواثيق الدولية التي تنص على ذلك.
إن العمل على دعم عمل مؤسسات المجتمع المدني العربية على أساس الحرية والديمقراطية وحقــوق الإنسان والإدارة الرشيدة، مستندين إلى قيم الأمتين العربية والإسلامية التاريخية في هذا المجال، ستكون الرسالة الأساسية لهذا العمل.
هذا ونسعى بالمشاركة والشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني العربي لإنجاز كثير من المهمات تتمحور حول تحقيق رؤية عربية لتوجهات مؤسسات المجتمع المدني العربية التنموية لدورها الفاعل على الساحة العربية، والمؤثر في الساحة الدولية، وتفعيل عمل القطاعات التي تشكل المحتوى لمنظمات المجتمع المدني، سواء أكانـت طفولة، امرأة، أو شباب، مسنين، ذوي احتياجات خاصة أو بيئة وتشريعات وغيرها.
وأظنكم تتفقون على أن تعزيز البناء المؤسسي لمؤسسات المجتمع المدني العربي، يأتي ضمن هذه الأولويات، بما يساعدها على الديمومة في تنفيذ برامجها بصورة مهنية محتـــرفة، ودعم تأسيس الشبكات والاتحادات النوعية والكمية التي توحد الجهود والتخصص.
وما زلنا بحاجة إلى للترويج لمؤسسات المجتمع المدني إعلامياً بما فيها قطاعاته المختلفة، من خلال تأسيس قاعدة بيانات عربية وملحقاتها. ترشدنا إلى قراءة الواقع بصورة صحيحة وتعكس الإنجاز الحالي والتطلعات المستقبلية.
ما زالت العديد من مؤسساتنا المدنية تعاني من شح مصادر التمويل وهذا يعني بالنسبة لنا مزيداً من العمل لدعم تأسيس صندوق عربي خدمة لبرامج هذه المؤسسات.
كما نسعى إلى تعزيز الاتصال والتعاون ومد جسور الثقة المتبادلة بين مؤسسات المجتمع المدني وامتدادها على المستوى العربي ومع المفوضية بما يضمن النهوض بأساسيات المواطن العربي المادية والمعنوية أو كليــهما، والتعاون على مستوى البرامج مع القطاعات والمؤسسات المدنية، سواء أكانت صحة، تعليم، غذاء، بيئة، تمكين المرأة، أوإصلاح التشريعات، وتعزيز إسلوب الإدارة الرشيدة، ومكافحة جيوب الفقر والفساد.
يقود تعزيز البناء المؤسسي إلى تحقيق عمل برامجي نوعي، ومن خلال بناء شبكات متخصصة في قطاعات المرأة والطفل والبيئة وإصلاح التشريعات ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي تبني المواثيق الدولية ذات العلاقة وتفعيل العمل بها على المستوى القطري وغيرها.
إن توجهنا الحالي هو العمل نحو إطلاق العقد العربي لمؤسسات المجتمع المدني والذي سيحدد الرؤى، التطلعات، والتحديات التي تواجهنا، والحلول المشتركة المتوقعة.
ونتفق جميعاً على أهمية نقل الخبرات البينية والاتصال دولياً بين مؤسساتنا المدنية، ومؤسسات المجتمع المدني الدولي للتبادل المعرفي والخبرات فيما بينهما.
إن تأسيس علاقـــة أكثر فاعلية بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الرسمي من جهة، ومؤسسات القطاع الخاص من جهة أخرى، سيكون القاسم المشترك بينهما خدمة للفئات المستفيدة والمحافظة على مكتسبات الطرفين بما يخدم القاعدة العريضة من المستفيدين وجمهورهم، ونأمل أن يؤدي هذا التعاون لإنهاء حالة الشك القائمة حالياً بين القطاع العام والقطاع الأهلي في العديد من البلاد العربية.
ويأتي تنفيذ هذه المهمات برأينا من خلال إطلاق العقد العربي الذي نضع فيه فلسفتنا وخطة عمل مشتركة للسنوات العشرة القادمة، كما أن تأسيس قاعدة بيانات يضمن توفر المعلومات عن هذا الجسم العربي الفاعل ويساهم في تعريف نفسه والانطلاق إلى مجتمع المعلومات وإلى آفاق أخرى عديدة، ولا يخفى عليكم أن دعوتنا إلى تأسيس صندوق دعم مؤسسات المجتمع المدني يحميها من أي شبهة ويساهم في دفع عمل هذه البرامج باتجاه نوعي، ويضعنا امام مسؤولياتنا التمويلية نحوه.
سنعمل معاً لوضع إطار وخطة عمل من خلال التعاون مع فريقكم الموقر، وندعوكم للاستفادة من قرار قمة تونس بقبول مؤسسات المجتمع المدني العربي بصفة مراقب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية، والذي يعتبر فيه ذلك إنجازاً لصالح عمل هذ المؤسسات، حيث العمل جارٍ على إقرار معايير قبول مؤسسات المجتمع المدني عضواً مراقباً، والتنسيق فيما بينها خدمة للقضايا المشتركة.
لا نشك في أن الدور القادم لفريقكم الاستراتيجي كبير، وعلينا جميعاً تحمل مسؤولياتنا تجاه مجتمعاتنا العربية ومؤسساته القيادية، والعمل الجاد نحو التغيير النوعي، خاصة أننا نطالب بالتغيير الذي يأتي من الداخل، حتى نسقط ذرائع التدخل الخارجي في شؤؤننا الداخلية، الأمر الذي يقتضي منا التدقيق في أسلوب اختيار وعمل مؤسسات القطاع العام والخاص والأهلية وهذا بالتأكيد جزء من الإصلاح الذي نسعى إليه.