يوم الأرض: القضية العربية الأرثوذكسية والحفاظ على القدس
ألقيت بدعوة من رئيس الجمعية العربية الارثوذكسية الدكتور رؤوف أبو جابر، باعتباري رئيس جمعية حماية القدس الشريف بتاريخ 3/4/2004
يسعدني أن أقف أمامكم اليوم بدعوة من الصديق الدكتور رؤوف أبو جابر للتحدث في بذكرى يوم الأرض. فيوم الأرض والحفاظ عليها، أصبح محور النضال السياسي والجهـادي في فلسطين، فالأرض هي الكيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، هي الهوية والتراث والتاريخ لأي شعب ولأية أمة، الأرض والإنسان توأمان لا ينفصلان، والحفاظ على الأرض وبقاء الإنسان الفلسطيني وصموده هدف وطني ومحوري ونبيل لا خلاف عليه.
من هنا تأتي أهمية وجود الجمعيات والمؤسسات العربية وجهودها في مساندة الأهل في فلسطين والقدس ودعم صمــودهم والحفاظ على أرضهم وهويتهم، ولن أتحدث عن جهود الجمعية الأرثوذكسية في هذا المجال، بل سيقدم لنا رئيسها الدكتور أبو جابر شرحا "وافيا" لها في كلمته، واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أهنئه لصدور كتابه القيم الجديد (قصة عائلة).
لا شك أن جهوداً جبارة تبذلها مؤسسات المجتمع المدني في الأردن وفي العالم العربي لحماية القدس من التهويد، ولصمود الأهل هناك.ومما لا شك فيه أن القائمين على هذه الجمعيات هم وطنيون غيورون يؤدون واجبهم تطوعاً ولا يريدون مقابل ذلك جزاءً ولا شكوراً، بل هم يبتغون مرضاة ربهم وخدمة وطنهم وقدس الأقداس. ولا شك أن هذا الجهد المشكور قد ساعد على الصمود، لكن هذا الدعم المتنوع الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدنيلا يرقى لمستوى ما تقدمه مثيلاتها اليهودية في دول العالم لتهويد القدس. فالأغنياء اليهود والمؤسسات يقدمون سنوياً مئات الملايين من الدولارات لدعم نشاطاتهم هناك، وقد نجحوا عبر أربعة عقود من الاحتلال من شراء العديد من العقارات عبر الإغراءات المالية أحياناً، أو التلاعب بالأوراق والوثائق أحياناً أخرى، أو عبر الإجراءات الحكومية بالاستيلاء على الممتلكات وبناء المشاريع السكنية الضخمة، فأغنياؤهم ومؤسساتهم يسخرون مبالغ ضخمة لتحقيق ذلك.
ونحن العرب والمسلمون لدينا إمكانيات مالية أكبر وأضخم من إمكانيات رأس المال اليهودي، وتنفق الأمــوال العربية بسخاء على المظاهر والملذات والترف، ولا يذهب منها لصمود القدس والأهل شيء. ويبقى الدعم لهما دعماً معنوياً لفظياً شفهياً.
لقد استمع البعض منا إلى محاضرة ألقاها قبل أسابيع قليلة الأستاذ خليل التفكجي مديردائرة الخرائط في السلطة الوطنية الفلسطينية، بين فيها حجم الأخطار التي تهدد الهوية العربية الإسلامية المسيحية في جراء بناء الجدار العنصري وتطويقها بالمستوطنات التي أصبحت مدناً يهودية بكل معنى الكلمة، وشرح لنا كيف يتم خنق القرى والتجمعات السكانية العربية والمؤسسات والناس فيها، وكيف يتم قطع الأرزاق وسحب الهويات، ومع ذلك كله فإن أهلنا هناك صامدون صامدون.
أقول هذا ليس للتقليل من أهمية الدعم والجهد الذي نقوم به ويقوم به غيرنا، بل كي أحث الآخرين، من المتفرجين في عالمنا العربي والإسلامي على زيادة دعمهم، نحن الجمعيات المقدسية في الأردن إمكانياتنا المالية ضعيفة، ونبذل جهداً كبيراً لزيادة هذه العوائد وتحويلها للمؤسسات التعليمية والطبيـــــــة والاجتماعية متعددة الأهداف والتطلعات. وأعترف لكم أن جهودنا مبعثرة، وعلينا توحيد الجهود حتى نكون أكثر فائــدة وأكثــر فاعلية، نحن بحاجة إلى أكثر من مؤسسة عربية مثل مؤسسة التعاون، التي لها قدرات مالية كبيرة وتقدم مشكورة خدمات جلّى لأهل فلسطين وأهل القدس وتساعد على صمودهم وتخفف من وطأة التهويد والاحتلال.
ونحن في جمعية حماية القدس الشريف نركز على ترميم البيوت الآيلة للسقوط في القدس داخل السور والتي تسكنها الأسر الفقيرة التي لا تجد المال للترميم البسيط لبيوتها ونقصد بذلك أن نبقي هذه الأسر مقيمة في تلك الأبنية وعدم إخلائها حتى لا تتم السيطرة عليها من قبل المستوطنين اليهود الذين ينتهزون كل فرصة لمثل هذه الحالات أو يدفعون مبالغ طائلة للحصول عليها، ونقوم بهذا بالتعاون الوثيق مع العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية في القدس الشريف، التي تبذل جهوداً جبارة بالرغم من المصاعب التي تخلقها الظروف، هؤلاء الأفراد الطيبون أدوا خدمات كبيرة جداً في هذا المجال.
إننا نقيم تعاوناً لدعم صمود الأهل في الأراضي المحتلة بالتنسيق مع العديد من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية في القدس الشريف، إلا أننا وبالرغم من المصاعب الجمة التي تواجهنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتمويل، فإننا أفراداً ومؤسسات ذات علاقة نسعى لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه لإنجاح هدفنا النبيل في تأمين الدعم المالي والمعنوي للمؤسسات المقدسية للقيام بعملها على أفضل وجه.
لكن يبقى التأكيد على ضرورة توحيد هذه الجهود الطيبة من خلال هيئة عربية تهدف إلى تمكين الإنسان الفلسطيني في التغلب على الظروف الصعبة التي يعيشها من خلال دعمه في التعليم والإسكان، وإصلاح الأراضي والرعاية الصحية ودور التأهيل، ويبقى هذا واجباً علينا ما دام الاحتلال وسياسة تفريغ السكان العرب والتهويد قائماً.
أخيراً، اسمحوا لي أن أؤكد على أهمية جهود مؤسسات المجتمع المدني وتعدد قدراتها في خدمة القضايــا الوطنية والمجتمعية، وهـــي تقوم في فلسطين خاصة. وكذلك في الأردن بالمساعدة ضمن قدراتها، في تحمل أعباء لا تريد أو لا تسمح الظروف للجهات الرسمية في تحملها وتسد ثغرات كبيرة وعديدة.وعلى تلك الجهات أن تلجأ دائماً إلى مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أهداف وطنية متفق عليها.
وإنني إذ أُحيي وأقدر عمل مؤسسات المجتمع المدني كافة وأدعو لها بالنجاح والتوفيق، أشكركم على حسن استماعكم.