الديمقراطية والإصلاح-النهج الثالث
ألقيت هذه الكلمة في مركز دراسات الوحدة العربية بيروت بتاريخ 15/11/2006
يسعدني أن أكون بينكم رجال فكر ومنظمات مجتمع مدني، يدركون جيداً مهامهم وأدوارهم ومسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم وقضاياهم الوطنية والقومية، ونحن نجتمع في بيروت بالذات لنؤكد التزامنا جميعاً بما تعنيه لنا هذه العاصمة العربية من صمود وتحد في مواجهة كل الظروف والأوضاع والمؤامرات التي تدفع بمجتمعاتنا للتفكك والاقتتال؛ وبما تعنيه أيضاً من أهمية الحوار الوطني للوصول إلى نتائج وتفاهمات وطنية بشأن قضايا مهمة ومصيرية، الحوار الوطني اللبناني يجب أن يستمر، وأن يبقى مثالاً يحتذى في العديد من العواصم والأقطار العربية.
وعلينا، نحن المجتمع الأهلي، مسؤوليات كبيرة في إيقاف هذا النزيف، وفي محاربة أمراض التناحر والصراع والاقتتال المميتة، لهذا جاءت هذه الندوة في بيروت وبمشاركة كريمة من نخبة فكرية رائعة ومتنوعة المشارب والتوجهات، فلن يكون أفضل لنا من الحوار البناء الإيجابي، والبحث عن الطريق الثالث.
وأنتهز هذه الفرصة لأقدم الشكر للقائمين على هذه الندوة والمنظمين لها؛ المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، ومؤسسة فريدريش ناومان.
ما تزال المنطقة العربية تغلي على صفيح ساخن، وما تزال عناصر السوء والشر، الداخلية والخارجية تلعب بالنار، فالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، واستهداف الأبرياء والممتلكات هناك بوحشية بالغة من جهة، والأوضاع الداخلية والصراعات السياسية من جهة أخرى، تجعلنا نتساءل: هل اشتعال الأوضاع الداخلية في فلسطين هي صراع على السلطة؛ أم أن هناك توجهاً نحو وفاق وطني يفوت الفرصة على إسرائيل التي توظف هذا الصراع لصالحها محلياً ودولياً؟ هذا ما ستبحثه الندوة خلال الأيام التالية.
ربما أن الأوضاع في العراق ليست بأفضل حال، فالدعوات إلى عراق متماسك وموحد من خلال الدعو لبناء الثقة والسلام وإنهاء الاحتلال بالإصلاحات التي تشمل كل فئات المجتمع العراقي وطوائفه وأحـــزابه، لا تتناسب أو تنسجم مع ما يمارس على أرض الواقع، بل هي في كثير من الأحيان تتناقض معه، إذ هناك دعوات مبطنة لتقسيم العراق على أساس طائفي مرة، وعلى أساس جغرافي مرة أخرى، ومظاهر التسلح لـــــدى كثير من المليشيات، والذي يهدف في النهاية إلى إضعاف الدولة ودورها وازدياد مظاهر التطرف والعنف تقود كلها أكثر فأكثر باتجاه التقسيم، وهنا يأتي التساؤل: من يحسم هذه القضية نحو عراق موحد أو عراق متماسك؛ العسكر والمليشيات؟ أم المجتمع المدني؟ أم التدخلات الخارجية ومصالحها؟ مفكرو النهج الثالث الموجودون هنا سيحاولون الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها.
وما حدث ويحدث في لبنان؛ الحرب وتداعياتها والجدل حول نتائجها والصمود الرائع للبنان رغم ما أحدثته الحرب من دمار، هل هذه حرب اللبنانيين أم حرب الآخرين؟ إذا كان هذا الجدل سيستمر باتجاه بناء وفاق وطني لبناني، وثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، والإيمان بالدور الفاعل للأحزاب وقوى المجتمع المدني اللبناني في الحفاظ على السلم الأهلي، وإعادة بناء الدولة على أسس يلتزم بها الجميع، فذلك أمر جيد. أما إذا كان ذلك باتجاه تصفية حسابات، فلذلك عواقب وخيمة على الجميع.
إلا أن الذاكرة اللبنانية غنية، والأطراف اللبنانية ذكية، وقناعتي أن هذا البلد العريق سيحافظ على المكتسبات، ولن ينجر إلى انفعالات آنية، وهم واعون تماماً لما يدور في الإقليم، وما تدل عليه نتائج انتخابات الكونغرس الأميركي الأخيرة.
نحن نرفض أن تبقى أجزاء من وطننا العربي تحت احتلالات متعددة، ونرفض أن تبقـى المنطقة تحت وصاية قوة أو قوى عظمى، فمرة تظهر مشاريع الشرق الأوسط الكبير، وأخرى الشرق الأوسط الجديد. وكلها لها هدف واحد هو تغييب مفهوم الوطن العربي، ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط العربي والإسلامي، لتمييع هويته وإحكام الهيمنة عليه. ومطلوب منا نحن الشعوب المظلومة القبول والتعاوندون أن يقدم الإسرائيليون تنازلات بشأن الأرض وباتجاه السلام.
وعلينا، مؤسسات المجتمع المدني ورجال الفكر، أن نكون جاهزين لهذه المبادرات؛ ليس برفضها فقط، بل أيضا بتوفير البديل العربي الوطني القوي والموضوعي، القابل للتطبيق والحياة، والبدائل تقدمها حلبات وحلقات النقاش ضمن مؤسسات المجتمع المدني حول الديمقراطية والإصلاح، من منطلق وطني قومي منفتح واع، وأعتقد جازماً أن المجتمعات العربية تواقة، بل جاهزة لتطبيق الديمقراطية كنظام، والقيام بعمليات إصلاح حقيقية لمؤسساته.
ختاماً، أقول إن هذه الورشة، بالعاملين عليها من الخبراء الذين سيقدمون أوراق عمل وأولئك الذين سيديرونها، ستقدم بلا شك بعض الإجابات عن ذلك. ونتوقع الكثير من المخرجات الهامة لورشتكم هذه.