حماية الوطن
مقال نشر في جريدة الغد عام 19/7/2009، وهناك تعقيب من الكاتب محمد ابو رمان نشر في جريدة الغد بتاريخ 20/7/2009 منشور في الرسائل الملحقة بهذا الكتاب
تصاعدت في الأردن في الفترة الأخيرة، حدة ووتيرة المخاوف والشكوك بعد استلام بنيامين نتنياهو السلطة في إسرائيل، خاصــــة بعــــد خطابه الذي أعلن فيه قبوله بدولة فلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني (الضفة الغربية وغزة)، ولكن بشروط تعجيزية جعلت من غير الممكن لأي فلسطيني أو أردني أو عربي قبول هذا العرض أو هذه المعادلة، بالذات فيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين التي رفضها نتنياهو، ومعه كل القوى السياسية وفئات المجتمع الإسرائيلي بشكل مطلق.
هذا القلق الأردني مبرر ومشروع لأن ما يجري هناك ينعكس على الأردن بشكل مباشر، ويجب أن نتعامل مع هذا الوضع برؤى إستراتيجية بعيدة المدى وبموقف وعمل سياسي جماعي، وألا ننقاد إلى معارك وهمية أو أن نتجاهل حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي المتفجر في المنطقة. هذه الأحداث والسياسات والأوضاع يجب أن تقوي الجبهة الداخلية الأردنية لا أن تضعفها. ويجب أن تقوي النسيج الاجتماعي والتناغم السياسي الداخلي، ويجب أن تقوي القواسم المشتركة لا أن تخلخلها.
إننا جميعاً ودون استثناء، نرفض إلغاء حق العودة ونتمسك به، ولا نقبل بأي حال من الأحوال إقامة الوطن البديل.الوطن البديل يقام ويتحقق إذا ما قبل به وتعامل معه أي من أطراف المعادلة الداخلية: الأردنيين أو الأردنيين من أصل فلسطيني، أو فلسطينيو فلسطين. وطالما أننا متفقون جميعاً على ذلك، فلن يتم تحقيق هذه المؤامرة. وعلينا نحن في الأردن، وأعني هنا كافة أطراف المعادلة الأردنية، أن نمسك بطرفي الخيط وألا ندع الغير يمسك بأي من طرفيه. صحيح أن نتنياهو عندما ينادي ويعمل حزبه على إقامة الوطن البديل، يعبر عن أيدلوجية كلنا نعرفها ونرفضها، لكنه في نفس الوقت يرغب ويهدف إلى إقامة الشقاق داخل المجتمع الأردني الواحد، وهو يعمل على تفتيت الأسرة الأردنية الواحدة التي اثبتت تماسكها وتضامنها عبر عقود عديدة من الزمن. نحن نرفض أن نقع في فخ الصهيونية الخبيثة. مجتمعنا الأردني ليس هشاً كما يظن نتنياهو.
لم تولد الدولة الأردنية وفي فمها ملعقة من ذهب، بل ولدت في ظروف غاية في الصعوبة واستمرت في النمو والتطور عبر تلك العقود الصعبة، ومخرت في عباب محيط المنطقة المضطرب والهائج. هذه الدولة لا زالت متجـهــــة نحو بر الأمان، وما زال قبطان السفينة وركابها مصممين على الوصول إلى هذا الشاطئ. الوطن الأردني تخطى كل الصعاب وأصبح بسبب التوازن الموجود داخله وبسبب الحرص على النسيج الاجتماعي وبسبب العمل الدؤوب على تقوية الجبهة الداخلية والمعادلة الأردنية المتوازنة، بلداً آمناً موطناً نامياً. ولأنه كذلك، أصبح مستقراً للاستثمار الخارجي ويعتبر مثالاً يحتذى بين كافة الدول العربية.
لقد راقبت وتابعت خلال الأسابيع الماضية الحوارات والسجالات، وفي بعض الأحيان الاتهامات المتبادلة بين قوى سياسية متعددة في الصحف والمواقع الإلكترونية وحتى في الصالونات. الحوار أمر صحي ومطلوب، ولكن يجب أن يبقى هذا السجال في نطاق الإخوة والمصلحة الأردنية العليا وضمن فهم الأهداف العدوانية الخارجية تجاه الأردن وفلسطين، أما التطرف في الطرح وإثارة العصبيات والتهجم الشخصي على بعضنا البعض، فهو أمر لا يمت بصلة إلى قواعد الحوار الوطني البناء، إن المطالبة بالمساس بحقوق أردنيين انتسبوا إلى هذا الوطن طواعية وحصلوا على جنسيته بصورة شرعية وقانونية وتوافقيه أمر غيــر مقبولوهو مساس بحقهم الدستوري، فكلنا أردنيون من أجل الأردن وكلنا فلسطينيون من أجل فلسطين، والحنين إلى مسقط الرأس أمر إنساني نمارسه جميعاً كل يوم ولا يتعارض إطلاقاً مع الانتماء لهذا الوطن، خاصة وإننا ندعو جميعاً إلى التمسك بحق العودة، وعلينا أن نحافظ على هذا الانسجام وعلى لحمة العائلة الأردنية الواحدة وعلى هذا التناغم في المصالح والأهداف والقيم والمواقف، إن أفضل ما نقاوم به نوايا إسرائيل تجاه الأردن هو بعدم الانقلاب إلى الداخل لنخاصم بعضنا بعضاً، بل بالالتفات إلى الخطر الخارجي المحدق بنا. كذلك، فإننا نقاوم النوايا العدوانية الإسرائيلية عندما ندعم صمود الأهل في فلسطين كي يبقوا فيها ويحافظوا على أرضهم ويدافعوا عنها. نحن في الداخل لا نواجه إطلاقا خطراً ذاتياً يمكن أن يرقى إلى تحقيق أهداف إسرائيل في إنشاء الوطن البديل. ففلسطين هي خط الدفاع الأول عن الأردن. وغير ذلك لن يحمي الأردن من تآمر نتنياهو وإسرائيل، دعونا نركز على القواسم المشتركة بيننا لا على مواقع الاختلاف، كفانا الانقسام الفلسطيني المدمر الذي لا نفهم له سبباً ولا طائل منه. وكفانا ما نشاهده حولنا من صراعات طائفية وفئوية، دعونا كأردنيين نقف بجانب جلالة الملك في جهوده الجبارة والمثمرة للتركيز على حل القضية الفلسطينية، ودعوا جلالته يشعر أن خلـــفه جبهـــة داخليـــــة متضامنة متماسكة يستطيع الاعتماد عليها حين يبدأ التعامل الجدي لحل القضية الفلسطينية. فالحلول القادمة، إن تمت، ستكون صعبة وربما مؤلمة، وربما قضية حق العودة هي التي ستدفع أغلى الأثمان في الحل.
أقول هذا بوعي تام لأنني أعتقد أن المنطقة لم تستقر بعد، بل إن التفاعلات والأحداث تزداد سخونة وتعقيداً.فالوضع في إيران غير مستقر وقد تأثر النظام هناك بما يجري في الشارع، وقد تقوم قوى اليمين في المنطقة بالتحالف بشكل غير مباشر ولأسباب متناقضة، لإسقاط جهود إدارة اوباما الجدية والصادقة والواضحة لحل قضايا الشرق الأوسط. فهذه القوى منزعجة، بل تقاوم جهود باراك اوباما للبدء بعملية سلام حقيقية وعادلة بين العرب وإسرائيل. ولا أحد يعرف كيف ستتجه الأمور في إيران أو في لبنان وفلسطين وربما أقطار أخرى. بعد خطاب اوباما التاريخي في القاهرة، أجد أن هناك فرصة هامة للتعامل المتوازن لحل القضية الفلسطينية. وهذا تحول هام في معادلة الشرق الأوسط. إن الأردن يشعـــر بأنه أكثر الدول العربية انسجاما وقرباً من النقاط السبعة التي أعلنها اوباما في هذا الخطاب. وهذه هي ميزة الأردن وميزة قوته الناعمة.
إنها دعوة صادقة للجميع كي نبتعد عن التباغض والمشاحنة، دعونا نبتعد عن الخطاب الفئوي والجهوي، وأتمنى أن يمارس الإعلام الواعي والمهني دوره الوطني المعهود، فالخطر الخارجي محدق بنا، والوقت هو وقت العقل والعقلاء. وأدعو بالذات أخوتنا في الأجهزة الإعلامية أن يعوا تماماً دقة المرحلة، وحجم المخاطر التي تواجه الأردن والمنطقة.حيث عليهم أن يكونوا بعيدي النظر، لإعلام دوره مؤثر وفعال وعليه مسؤوليات جمة، مثله مثل أي من المؤسسات الدستورية، فهو بالفعل السلطة الرابعة.