النظام الانتخابي-التطبيق والأثر السياسي
ألقيت هذه الكلمة في ورشة عمل بدعوة من (مركز هوية) ورئيسه محمد الحسيني واقيمت في فندق حياة عمان بتاريخ 11/9/2012
تختلف النظم الانتخابية باختلاف الدول، وهو اختلاف يرتبط بعوامل عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر، مدى انخراط تلك الدول، في تطبيق النهج الديمقراطي، وطبيعة الظروف الإقليمية والدولية، المحيطة بهذه الدولة أو تلك، وكذلك طبيعة ونوع النظم السياسية التي تأخذ بها الدول، وبالتال، مدى ولوجها عصر العمل العام الجماعي، القائم على أساس الحياة الحزبية، إلى غير ذلك من العوامل المحددة، لشكل وجوهر النظام الانتخابي المعمول به، إلا أن الجامع المشترك بين النظم الانتخابية كافة "أو هكذا يجب أن يكون"، هو ضمانها لمبدأ العدالة في التمثيل، وهو مبدأ أساسي لابد من الأخذ به، وذلك تقديراً لأهميته في تجذير التوافق الوطني، باعتباره أحد أهم مبررات الاستقرار والتقدم، وسلامة الدول والمجتمعات، وإلا فإن مسيرة تلك الدول والمجتمعـــات، تبقى رهناً للخلافات والاجتهادات، وبالتالي، الجدل الذي يصرف المجتمعات عن مهامها الطبيعية المنتجة، ويذهب بها إلى مجالات أخرى معيقة لكل هذا.
أردنيـاً، لقد تطور النظام الانتخابي بمرور السنين، وهو تطور أملتهأما ظروف قسرية ذات صلة بالاحتلال الإسرائيلي، أو هي ظروف طبيعية، تطلبتها مراحل التطور الديمقراطي، وكان آخرها، النظام الانتخابي الذي أفرزه قانون الانتخاب الحالي، وهو نظام يؤسس ولأول مرة في تاريخ المملكة، للقائمة العامة، والتي يجري اختيار نوابها، على أسس تفتح المجال للترشح، وفق مبدأ القوائم الحزبية البرامجية، وبآلية انتخاب يشارك فيها، سائر جمهور الناخبين على امتداد الوطن، وهي فكرة حملتها توصية للجنة الحوار الوطني، التي تشرفت برئاستها، وجرى الأخذ بها كفكرة، وضمن ترتيب محدد.
صحيح أن هناك مطالبات بتوسيع القائمة العامة، وهناك من يرى إمكانية أن يصل فضاؤها، إلى نصف عدد مقاعد مجلس النواب، وهناك من يرى غير ذلك وهي اجتهادات مشروعة، في إطار الحوار الوطني السلمي الديمقراطي، إلا أن الأمر الواضح الجديد في كل هذا، هو ان مرحلة التحول الإيجابي، للوصول الي انتخابات على أسس حزبية برامجية، قد بدأت فعلاً، باعتماد القائمة العامة، وبالتالي، فإن ذلك، تحول إيجابي ولكنه غير كاف. ولا يلبي طموحات الشعب الإصلاحية. ونحن نريد أن نصل بمـــرورالوقت، إلى اعتماد مبدأ الانتخاب، على أسس حزبية كاملة، ومن المؤكد، ان كل المؤمنين بمبدأ التدرج المتسارع في الإصلاح، يدعمون هذا التحول، ويرون فيه، بداية تستحق الاهتمام.
تتناول هذه الورشة، الأثر السياسي للنظام الانتخابي، وهو محـور مهم جداً، إلا أن هذا الأثر في تقديـــري، يتجاوز البعد السياسي بمفهومه المجرد، ليكون عنصراً حاسماً ومؤثراً جـداً، في تحديد الأبعاد الاجتمــاعيــة والاقتصادية والأمنية والعامة، "في أي مجتمع"، ومتى كان النظام الانتخابي شاملاً، وعادلاً، وديمقراطياً، وضامناً للنزاهة، أدى ذلك، إلى ارتياح عام في المجتمع، وثقة مطلقة بالدولة، وشعور تام بالأمان، واطمئنان كبير على الحاضر والمستقبل، وجاهزية كبرى، للمشاركة في المسيرة والبنـــاء، وإحساس صادق بالمواطنة التي تحفز الوطنية، وبالتالي، انسجـام تام بيــن سائر شرائح المجتمع، وضمان تام كذلك لسلامة وحدة المجتمع، وتحصين له ضد المؤثرات والتحديات، وأخيراً، قوة للوطن، بمقدورها تجاوز كل العقبات، وتحقيق أقصى درجات التقدم.
لن أخوض طويلاً في هذا المجال، وأترك الفرصة للمتحدثين الأعزاء، لإثراء النقاش فيه، لكنني أرغب وفي هذا الوقت بالذات، حيث تشتد من حولنا التحديات والتطورات الإقليمية والدولي، وجميعها تنذر بالمخاطر، أن أؤكد على حتمية أن نرقى بمستوى الحوار فيما بيننا، هنا في الأردن، إلى المستوى الذي يوازي، حجم تلك المخاطر والتحديات، خاصة ونحن نجتاز ظروفاً اقتصادية صعبة، تلقي بظلالهــــا السلبية على مقدرات الدولــــة، وعلى مستوى عيش الإنسان الأردنـــــي عامـــة، وهنـــا أدعـــو إلــــى خارطـــة طريق وطنيــــة، محكمـــة، "إن جاز التعبير"، وبصورة تحدد خطواتنا نحو الأمام، على أسس إصلاحية وطنية ذات اث، وبتوافق وطني جاد، وإحساس كامل بالمسؤولية، وبنيات صافية تضع الوطن فوق الجميع، وبمنهجية إبداعية تعظم الإيجابيات، وتنبذ السلبيات، ونحن قادرون بعون الله، وبهمة شعبنا الواحد، ووعي قيادتنا الهاشمية، على اجتياز الصعب.