مداخلة في ندوة الأمن والأمان
مداخلة قدمتها في مركز دراسات الشرق الأوسط بتاريخ 8/6/2013
يأتي انعقاد هذه الندوة المهمة، في وقت دقيق، داخلياً وإقليمياً على حد سواء، وهي ندوة تحمل عنوانـــاً كبيراً، يتحدث عن كيفية العمل، من أجل أردن آمن، ومستقر، ومزدهر، وهي مهمة وطنية كبرى، وجليلة، وتمثل هدفاً لكل مواطن، ولا يختلف عليها اثنان.
صحيحٌ أن الأمن والاستقرار، شرط أساسي لبلوغ الازدهار فلا تقدم ولا إنجاز في غياب الأمن والاستقرار، وهنا لا بد من التأكيد على حقيقة أن مفهوم الأمن المعاصر، لم يعد هو ذلك الأمن الشرطي المجرد، وإنما هو الأمن الشامل، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو معادلة مركبة، ليس مــن السهل بلوغها، إلا بتوفر البيئة الحاضنة لها، والمؤهلة فعلاً، لإنتاج حالة من الأمن الوطني الشامل، وبالتالي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كمقدمة لابد منها، لتحقيق هدف الازهار والتطور والنماء، وهو هدف مؤشره الإنجاز، في شتى مناحي الحياة العامة.
وإذا ما اتفقنا أو توافقنا، على صحة هذه المقدمه، فإن بالإمكان القول، إن الأردن وبرغم ظروفه الاقتصادية الصعبه وظروفه الإقليمية الأصعب، قادر على مقاربة الازدهار وبتدرج، في ظلال استراتيجية وطنية محكمة، تستند إلى منهجية إصلاحية شاملة، قوامها قراءة سليمة للواقع، ورؤية سديدة للمستقبل، وخطة حصيفة، تُرسي أسساً مكينة، لدولة المؤسسات والقانون في جانب، ودولة الإنجاز في جانب موازٍ.
وهذا يتطلب بالضرورة، توظيف الإبداع السياسي، القائم على الحاكمية الرشيدة، وقيم النزاهة والشفافية، كأساس لتحفيز المشاركة الشعبية الواسعة، لأن تفعل فعلها الإيجابي المطلوب، في ترسيخ الثقة الشعبية بالدولة، كشـــــرط لا بد منه، لضمان مشاركة كهذه، وبالتالي، ضمان تحقيق الإنجاز، والإنجاز هو سبيل الازدهار، متى تنامى هذا الإنجاز، في ظل العدل والحرية والمساواة واحترام الحقوق.
نُدرك جيداً حجم التحديات التي نواجه، وسط إقليم ملتهب ينذر وفي كل لحظــــة، بما هو أقصى وأخـــــطر، وأُدرك في المقابـــــل، أن علينـــا أن نعـــمل وألا نستسلم لتطورات الإقليم وأزماته، والعمل الذي أعني، لا بد وأن يكون في اتجاهين متوازيين، الأول تحصين الدولة والوطن، ضد التأثر السلبي بمخرجات الصراع الدائر في المنطقة، والثاني، إصلاح داخلي شامل متدرج ومدروس، يرقى بالدولة والمجتمع، ويعالـــج السلبيات التي يمكن أن تنمو في ظلالها الفوضى -لا قدر الله– في وقت نحن أحوج ما نكون فيه، إلى التماسك، وضمان سلامة النسيج الاجتماعي، وتعزيز المشاركة، واستعادة هيبة الدولة في عيون مواطنيها، وتعظيم قيمة الانتماء المنزه، وتخفيف الأعباء عن كواهل الناس، وهي مهمة تحتاج إلى عمل مثابر واضح شفاف، عمل يرفع الدولة من الحالة الانتقالية التي تعيشها، كدولة وسط بين الدولة الاجتماعية والدولة المدنية، إلى مشارف الدولة المدنية الحقة، المستند أداؤها السياسي العام، إلى منظومة حزبية متطورة، تتيح الفرص لقيام حكومات برلمانية برامجية، هي نتاج قانون انتخاب برلماني متطور، وبصورة تحاكي واقعنا الاجتماعي والسياسي، وتقدم للمنطقة بأسرها، أُنموذجاً أردنياً عصرياً، لا وجود فيه لتطرف أوغلو، وإنما وسطية إيجابية في الكلمة والممارسة، وحرية مسؤولة ليس لها من هدف غير المشاركة في الارتقاء بالوطن، وتكامل بين السلطات، وسيادة مطلقة للدستور، وحرمة كاملة للقانون، نصاً وروحاً وتطبيقاً، على نحو عادل وعلى الجميع.
أعتقد جازماً، أن من شأن ذلك كمقدمة، ان يُسهم في بناء الدولة العصرية التي نريد جميعاً، وهي منظومة طويلة من الأفكار والرؤى، ولست اشك في ان المتحدثيـن في هذه النــدوة، لديهم ما هو أفضل بكثير، ولهذا فلن أطيل، وسأكتفي بالتأكيد، على أن الأمن والاستقرار هدف نبيل، لا بد وأن نسعى جميعاً لضمانه، خاصة في هذا الوقت العصيب، وأن الازدهار هدف نبيل كذلك، وأن بلوغه وبالذات في هذا الوقت الصعب، ليس بالمستحيل أبداً، إن نحن جلسنا معاً وتحاورنا بمسؤولية، ووضعنا معاً، استراتيجيتنا للحاضر والمستقبل، وتحللنا من كل المثالب وأسباب التراجع، وقررنا أن الأردن لابد وأن يستقر ويزدهر.