عيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية السابع والستون
ألقي الخطاب بتاريخ 25/5/2013 في احتفال أقيم في باحة قصر رغدان بصفتي رئيساً لمجلس الأعيان. واعتبر في حينه أنه خطاب غير تقليدي
صاحب الجلالهْ، الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم
صاحبة الجلالة، الملكهْ رانيا العبدالله المعظمة
صاحب السمو الملكي، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد المعظم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أتشرف ابتداءً، بأن أتقدم من مقام جلالتكم، ومن شعبنا العربي الأردني، باسم مجلس الأعيان، بأحر التهاني، وأطيب التبريكات، بمناسبة عيد استقلال الوطن، وأن أترحم في هذا المقام الجليل، على أرواح ملوكنا الهاشميين البررة، الذين قادوا ركب الأحرار لصنع الاستقلال، وصونه، في زمن إقليمي دولي صعب. فكانـوا جميعاً، رفعة في الوطنية وبعد النظر، وسمــواً في الفكر والتجربـة، والنزاهة ونبـل الغاية، حيـــث لا تعصب يعمي الأبصار عن جادة الحق، ولا جهوية تجنح بالمسيرهْ، عن هدفها الأسمى، ولا شللية تقزم الأوطان، وإنما مسيرة جادة صارمة، تتوهـــج صدقاً وأصالة، وعروبة وعقيدةْ، لا شطط فيها ولا تطرف.وبهذا، وعلـــى هذا، حقق ملوكنا وأجدادنـــا، الاستقــلال وصانوه. فلهــــم الرحمة جميعاً، وعليهـــم رضوان من الله، جلَّ في عُلاه.
مناسبة الاستقلال هذا العام، ليست كسابقاتها.فنحن اليوم، على أبواب تجديد جذري، في مجالات عـــديده من حياتنــا، وعلى أبواب تحولات سياسية عميقة، وبعيدة المدى، تؤدي إلى إعادة رسم تحالفات جديده في الإقليم. ومن واجبنا، نحن ورثة الاستقلال، أن نحفظ للاستقلال شروطه ومقوماته.فلم يعد مفهوم الاستقلال قائماً على التخلص من التبعية الأجنبية فقط، ولا على التقوقع داخل الحدود، بل صار يعني القدرة على التأثير في العالم، والقدرة علـى التأثر كــــذلك، في نســــق يجنـــي العوائــد والفوائــــد، لا المشكلات والصراعات، وبمـــا لا يجافــــي الثوابت في حياة الشعوب، وفي الطليعـــــة منها، الهويــــات الوطنية الجامعة.والاستقلال الناجز، هو ذلك الواقع الذي يؤهل الشعوب، لأن تكون صاحبة الخيار في أوطانها.و هي لن تكون كذلك، إلا إذا كان التوافق الوطني الداخلي، هو هاجسها وبوصلتها، في سائر الشؤون الأساسية من حياتها.
والتوافق الوطني الذي أعني، هو العتبة الأولى والأهم، نحو الإنجاز الذي يوفر حياة كريمة للشعوب، وهو منجز طبيعي يتحقق بالفطرة، عندما تتجسد شروطه على أرض الواقع، وفي مقدمتها، سيـــادة قيم العدل والمساواة والحرية، وصون حرمة الدستور والقانون، باعتبارها حاضنة البيئة النظيفة، التي تفرز استقراراً نفسياً وأمنياً.
وعليه، وفي إطار هذا الواقع المرير في دنيا العرب، فلست أرى أمامنا في الأردن العزيز، إلا أن نعظم مفهوم التوافق الوطني الشامل، ولا عذر لأي جهة أو فئة أو فرد، في مجافاة هذا المبدأ العظيم.والأردنيون جميعاً، ومن كل المشارب والأطياف، مطالبون اليوم، دينياً ووطنياً وعروبياً وإنسانياً، بصون سلامة النسيج الاجتماعي الموحد. ولن يتنكر لذلك، مواطن أردني لديه حرص، على سلامة وقــوة هذا الوطن العتيد، والدولة بكافة هيئاتها الرسمية، مطالبة بتنظيم وتعزيز هذه القيمة العظيمة أصلاً، في بلد يفخر شعبه، بأنه الأبعد عن مثالب الطائفية البغيضة، ولن ينجر وراءها، تحــــت تأثير حادثٍ مؤســــفٍ ومرفوض، هنا أو هناك.
نعم، هذا هو الوقت الذي يجب أن نتحرك فيه، لنوحد صفوفنا، وهي مسؤولية جماعية، نتشارك فيهــا، قيادةً وشعباً ومـــؤسسات.والوحدة هي بلا شك، سبيلنا لصدِّ أي خطر أو عبث في الوطن والمستقبــل، فلقد بنينا الوطن جميعاً، بالدم والعرق، وأصبح لدينا الكثير من الإنجازات التي نعتز بها جميعاً.ونحن جميعاً شركاء فيه، وفي إنجازاته، وعلينا واجب حمايته.كما علينا واستناداً إلى دورنا القومي المشرف، أن نكون عوناً لأمتنا، وللشعب الفلسطيني الشقيق، حتى يستعيد حقه المغتصب، ويقيم دولته المستقلة، على ثرى آبائه وأجداده، هناك في فلسطين، النازف جرحها، وجرح شعبها، منذ عقود وعقود. وحق العودة إليها، حق مقدس، لا يملك أحد حق التنازل، أو المساومة فيه. وهو حق لا تعارض بينه وبين حقوق المواطنة، على هـــذه الأرض المباركة، وعيوننـــا لا بد وأن تبقى مفتوحـة صوب فلسطين، فحقنا جميعاً، هو هناك عند الغاصب المحتل.
كل مشكلاتنا قابلة للحــل، إن نحن واجهناها بشجاعة، وتحللنـا من كثير من هواجسنا، وإن أدرنا أزماتنا بحكمة وعمق، وكنا نحن المؤثرين، لا مجــرد متأثرين. عندما يكون الدستور هو هادينا، وعندمــــا يكون القانون للجميع. وعلى الجميع، لأن الدولة فــــــوق الجميــع، وعندما تكون وحدتنا الوطنية، أصلب من أن تنكــسر لا قدر الله، وعندما تكون الهوية الوطنية الأردنية، هي مظلتنا على قـــواعد العدل والحرية والتكافؤ، وسيادة القانون، فالأردن الغالـي، وطن مستقل بهويته الوطنية الأردنية، وهو ليس وطنا بديلا لأحد، ولن يكون.
وفي السياق، فلا أحد منا، يريد أن يـرى المجتمـع يعمل ضد نفسه -لا سمح الله- خاصة ونحن نلمس جميعاً، انتشار ظاهرة العنف المجتمعي، بكافة ألوانه، وانتشار ثقافة التعصب، وتراجع اللجوء إلى الحوار المتسامح المسؤول، بعقول وقلوب صافيه، وهذا أمرٌ يؤذي نسيجنا الاجتماعي الطيب، وهو قد يتزايد، إن نحن تركناه دون بحث ومعالجة، ووجد من يغذيه من خارج الحدود.ولا شك أبداً، في أن تراجع مفهوم الدولة، لصالح الولاءات الضيقة، أمرٌ غاية في الخطورة، نرى آثاره في الصراعات التي يشهدها، السوارُ الملتهب المحيط بنا، واستخلاص العبر أمر ضروري، فالتاريخ، هو حقاً أعظم أستاذ.
لقـــد حقق الأردن في عهد جلالتكم، إصلاحات واسعة مبشرة، وأنتم قائد الإصلاح وراعيه، ويقيناً، فإن الحكمة والظروف الداخلية والإقليمية والدولية، تدعونا وفي كل لحظه، إلى مواصلة الإصلاح المتدرج الواعي، ونحن قادرون بعون الله، ثم بقيادة جلالتكم، على تخطي العقبات، ومواجهــــة المشكلات بشجاعــة وحكمة، لنكرس كل القيم النبيلة، في خدمة الوطن والمواطن.
حفظ الله الأردن، وبارك استقلاله، وحفظ الله جلالة قائد الوطن المفدى، وأدام نهج الإصلاح الوطني، وبارك الله مسيرة شعبنا الواحد، والتحية لجيشنا العربي الأردني، بكل قطاعاته، وهو درع الوطن وسياجه، والتحية لكل من أسهم في انتزاع الاستقلال وحمايته، ومعاً بإذن الله، نبني أردن الغد، الذي به نزهو أكثر، فأكثر.