العيد الوطني الفلسطيني
ألقيت بالاحتفال الكبير الذي أقيم بقصر الثقافة في احتفال أقامته فعاليات سياسية وممثلو مخيمات اللاجئين الفلسطينين في الاردن بتاريخ 1/1/2014
أتقدم ابتداءً من الشعب الفلسطيني الشقيق ومن منظمة التحرير الفلسطينية، وسائر مؤسساته وإلى رئيس دولة فلسطين، بخالص التهنئة والمباركة، بمناسبة اليوم الوطني الفلسطيني. وأسالهُ تعالى، أن يحقق لهذا الشعب المكافح، طموحه المشروع، في الحرية وزوال الاحتــلال البغيض. وأن تقوم له دولته الحرة المستقلة، على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف.
نحن الأردنيون، نرى في الحل التاريخي العادل للقضية الفلسطينية، مصلحةً وطنيةً أردنية عُليا.فنحن، الأقرب إلى هموم ومعاناة الشعب الفلسطيني، ليس بالجغرافيا وحدها أو بالتاريخ النضالي المشترك وحده، وإنما باختلاط الدم والنسب والمصالح والمشاعر الإنسانية الصادقة. فالوجع الناجم عن الاحتــلال الاسرائيلي غرب النهر يقابله بالضرورةْ، وجعٌ مماثل شرق النهر. ولم يكن الأردن عبر التاريخ، إلا في طليعة الداعمين للحق الفلسطيني المشروع، المضحين بشرفٍ من أجل القضية، الرافضين شعباً وقيادة، لاستمرار الاحتلال وظلمه وممارساته، المطالبين بحتمية الإقرار بحق الفلسطينين الأشقاء، في التحرر والاستقلال.
لا جــــدال في أن القضية الفلسطينية، هي "المنصة" التي انطلقت منها كل القضايا وحالات التوتر، ولا جدال في أن إسرائيل اليوم، أصبحت لغماً خطيراً في الجسد العربي كله، وتحت أقدام العرب كافة.فهي كيان فوق القانون الدولي، وهي حالةٌ شاذةٌ عن السياق الإنساني العالمي بمجمله، وهي حظيرةُ عسكريةٍ خالصْة، لا وجود في نهجها لعرفٍ أو مبدأ أو قيمة. فقد منحها الدعم اللامحدود من جانب القوى الكبرى، حتى وهي تغتصب أرض الآخـــرين، والصمت الدولي المريب عن جرائمها عبر العقود، منحها قناعـــة راسخةْ، بأن منطق القوة العسكرية وحده، هو سبيلها للبقاء والهيمنــة، في عالم يدِّعي كبارُهْ، الدفاع عن الحق، وعن الحرية، وعن الكرامة الإنسانية.بينما لا يتردد أبداً، في مدِّ هذا الكيان، بكــل مقومات القوة المادية، والتفوق العسكري، ومبررات ارتكاب الجرائم المستمرة، بحق شعب، ذنبــه أنه يطالب بشيء من حقوقه التاريخية.
حضرات الأعزاء، نسمع ونتابع حديث المفاوضات، ولا ندري إلى أين ستُفضي أمام العناد والتعنت الإســرائيلي، فلسطــــين لن تتحرر إلا على يــــد أبنائها، على يد عربها. هذا هو الواقع، وهكذا علمنا التاريخ.عندها سيقف المجتمــع الدولي أمام مسؤولياته ويتم تطبيق القانون الدولي إزاء الاحتلال وجرائمـــــه.فهذا العالم لم يتعامل معنا إلا وفق هذا المفهــــوم ولا يعــــرف إلا منطق (القوة حق). عندها، نحمل ملف القضية برمته، إلى الأمم المتحدة من جديد، ليرى العالم كله، من يجُيز استمرار الظلم والاحتلالْ، ومَنْ يصحوُ ضميرهُ ولـــو مرةْ، ليتخذَ الموقف الرافض لكلِّ هذا، ويسعى وبقوة القانــون الدولي، إلى إرغام المحتل على الجلاء عن الأرض الفلسطينية المحتلة، جلاء تاماً غير منقوص.
إن سلطــــات الاحتلال الاســـــرائيلي، تسابق الزمن في تنفيذ مخططاتها، بحق الاراضي الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، مستفيدة من صمت وتجاهل المجتمع الدولي، ومن انشغال العرب، في التعامل مع تداعيات الربيع العربي. وهي تعتقد بإمكانيــة وضع العرب، والعالم كله، أمام الامر الواقع، عند اكتمال سياساتها العدوانية، وبلوغُ مبتغاها في صُنع واقــــع جديد على الارض، يخدم أهدافها البعيدة، ويحقق غايتها في هضم وابتلاع فلسطين كلها.
إن هذا الواقع، يدق ناقوس الخطر، عند روؤس العرب والمسلمين جميعاً، وإذا ما استمر هذا الحال، فسيجد العرب والمسلمين بعد حين، آثارهم في فلسطين تقتلع اقتلاعاُ.فالأرض والمقدسات والشعب والتاريخ، هم جميعاً اليوم في دائرة الخطر الكبير، وهذا الصمت المريب لما يجري في الحرم المقدسي ما هو إلا دليل واضح على ذلك. تهديد الحرم تدريجياُ وأمام سمع وبصر العرب والعالم أمر محزن ومخزٍ، ولن يفعل المجتمع الدولي شيئاً أبداً، إن لم تكن هناك انتفاضة سياسية عربية إسلامية شاملة في وجه هذا الظلم، وإجراءات عملية ومادية قوية تأخذ بيد الشعب الفسطيني، وتدعم حقه، وترفض دوام الاحتلال، وتستنهض همة الأسرة الدولية كلها، للوقوف في وجه المخطط الإجرامي الإسرائيلي.
أما على الصعيد الفلسطيني، فلابد لمنظمة التحرير الفلسطينية، من أن تبقى هي المظلة الجامعة لسائر الفلسطينيين وللنضال التاريخي الفلسطيني لاسترداد الحق. ولا بد من أن تُعَـزز مؤسساتها. ولا بد للمصالحة الفلسطينية من أن تتحقق، تكريساً لمبادىء الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولا يجوز أبداً أن تبقى الساحة السياسية الفلسطينية بمثل ما هي عليه من الشرذمة، خصوصاً في هذه الأوقات التــي انشغلــت فيهـــا كــــل الأطراف الدولية والإقليمية وحتى العربية عن القضية (الأم). وهنا نستذكر باعتزاز، شهيد النضال والتحرر الفلسطيني، القائد الرمز ياسر عرفات وتاريخه النضالي الطويل من أجل القضية، والحقوق الثابتة للشعب الفلسطني وفي مقدمتها حق العودة، باعتباره حقاً مقدساً لا نتهاون فيه. ونقول بالصوت العالي وفي سياق ما يدور في غرف المفاوضات المغلقة نحذر من أن لا تجزئة لحق العودة ولا قبول بالأمر الواقع، ولا مزيد من التنازلات بحق الأرض والشعب والمستقبل. ولأننا في الأردن داعمون ومؤيدون للحق الفلسطييني، فإن عيوننا ستظل مفتوحة لعدم الإخلال بالمصالح الأردنية أو بمستقبل العلاقات بين التوأمين.
إن على الفلسطينيين شعباً ومؤسسات، مواصلة النضال في جميع المجالات، السياسية والاعلامية والثقافية وسواها، ترسيخاً لحقوقهم المشروعة غير القابلة للنقض، مؤمنين بعدالة قضيتهم، وواثقين من أن حقهم لن يضيع أبدا، ومتيقنين من حقائق التاريخ التي تؤكد جميعاً، أن لا غاصب أقام أبداً، لا في القدس، ولا في سائر فلسطين.
إن جـــزءا هاماً من الدعم المطلوب عربياً للشعب الفلسطيني، ولقضيته العادلة، يمكن أن يتخذ من الدعم الذي ينتهجه بلدنا الأردن، أنموذجاً يحتذى، هذا الدعم يهدف إلى تمكين الشعب الفلسطيني من مواصلة الصمود وبناء المؤسسات. وهنا أحيي جهود جلالة الملك عبد الله الثاني في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها في كافة المجالات والمنابر الدولية والإقليمية، وفي دعم صموده ومؤسساته وفي رعاية الاماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
نبارك للشعب الفلسطيني المكافح، عيد ثورته المباركة وعيده الوطني، ونحيي صمودهُ وبطولاته ونترحم على أرواح شهدائه.
بعون الله، وبعزيمة الفلسطينيين وبنضالهم وصمودهم سوف تعود فلسطين والقدس محررة إلى أهلها وأصحابها وسيسقط الظلم والظالمون وستبقى الأخوة الاردنية الفلسطينية مزدهرة يانعة وستبقى ذكرى شهداء الجيش العربي في فلسطين والبواسل المناضليــن على أسوار القدس مثالاً حياً وصادقاً على هذه الاخوة.