كلمة تأبين حاكم الفايز
ألقيت هذه الكلمة باسم لجنة التأبين في 25/1/2014 في قصر الثقافة
السلام على روح فقيد الأمة والوطن، المرحوم بإذن الله، المناضل العربي الأردني الكبير حاكم سلطان الفايز؛ الرجل الأنموذج والمثل في تجسيد قيمة الحياة الكريمة بأصدق معانيها، عندما تكون انتصاراً للعروبة على القُطرية، وللحق على الباطل، وللحرية على القيد، وللإيثارعلى الاستئثار، وللعدل على الظلم.فإلى رحمة الله أبا فهد، وقد قضيت حياتك كلها مناضلاً من أجل تلك القيم الجليلة، حيث لا جهوية ولا فئوية ولا قُطرية ضيقة، وإنما عروبة ناصعة لا شائبة فيها؛ من أجلها عشتْ، ومتمسكاً بها قضيتْ. ويقيناً فإن الجميع يحترمون ذكراكحياً وفي الدار الآخرة.
أجزم لكم أن حاكم الفايز لن يتحول إلى فعل ماض، ولن يصبح في عداد الغائبين، بل سيظل فاعلاً مرفوعاً على سارية أعماله ومواقفه، وسيبقى ماثلاً يمارس حضوره الدائم وموجوديته الحقيقية من خلال مواقفه الشجاعة، ومبادئه الوطنية، وثوابته القومية.
وأقول لكم إن الحزن على رحيل أبي الفهد لم يكن في أم العمد وبين عشائر بني صخر أكثر منه في السلط ونابلس، وإربد وعمان والقدس، والكرك والخليل؛ فقد كان على الدوام مُلكاً مشاعاً ولم يكن محصوراً في محبته واحترامه بين أفراد شعبه الأردني أو أبناء عشيرته.
إن التوازن في الشخصية ميزة نفتقدها عند أناس كثيرين، لكنها ميزة أساسية في شخصية فقيدنا الراحل.وقد كانت لديه القدرة اللازمة للاحتفاظ بشخصية الرجل العام المتوازن، الذي لا يحتاج إلى جهد كبير كي يفوز بثقة من يتعاملون معه، فالوطن والمؤسسة لا يكفيهما أن يكون الإنسان ذكياً ولكن من دون مبادئ وقيم، ولا يكفيهما أن يكون جريئاً وبليداً، أو عالماً ومن دون انتماء، أو أن تكون مواقفه وطنية لكنه جشع. إن التوازن في الشخصية هو رصيد كبير لمن يملكه، وهي صفة يجب أن تتوافر في الإنسان الذي يعمل في الحقل العام. وإذا كنا نشكو من تراجع في حياتنا العامة، فذلك عائد، ضمن أسباب أخرى، إلى عدم التوازن في الشخصية وفي الصفات.
صعبٌ هذا الزمن المليء بالتحديات، فالربيع العربي يأخذ لون الدم الأحمر القاني، والأطماع والتطلعات تُطلّ برؤوسها من اتجاهات شتى، والاحتلال الإسرائيلي البغيض يأخذ مداه الأكبر؛ تهويداً وتشريداً واستحواذاً على الأرض والمقدسات، واستقواءً على المقدرات، والشعب الرازح تحت وطأة الاحتلال والظلم، فيما العرب منشغلون باقتتال داخلي يدمي القلوب ويثيرُ الأحزان.
وإنه من المستهجن حقاً أن يستمر هذا الهوان العربي المريع، وهذا التشرذم والتنافر الذي ينذر بما هو أخطر على الوجود العربي برمته، كأمة أرادها الله سبحانه حاضنة النور والنهوض، للبشرية كافة.
أجزم، كما أنتم، أن بمقدورنا في الأردن أن نكون قدوة لأشقائنا العرب في كل ميادين الحياة والإدارة، وأن نكون أفضل حالاً مما نحن عليه اليوم. فأحوال الشعب والإدارة تتراجع يوماً بعد يوم، وبعيداً عن التشاؤم الذي لا أحب، أقول إن التوافق الوطني هو حاجة ملحة في هذه االظروف الدقيقة والحساسة، حيث تتقاطع المشروعات الإقليمية والدولية، وتعقد التحالفات والصفقات على مشهد نقف فيه نحن العرب موقفاً أشبه بموقف المتفرج، فيما المخاطر تداهمنا من كل اتجاه، ولاسيما الخطر الجاثم على أرض فلسطين.
هذه صفات تجعل كل إنسان شخصاً كبيراً وعظيماً. وهي الصفات التي نسعى جميعاً لكي ننشئ الإنسان العربي الجديد عليها. ولعل أحزاني الخاصة على رحيل فقيدنا تعاظمت، وتداخلت مع أحزاني العامة على سوء الأوضاع العربية، وتهافت السياسات والممارسات، وافتقادها للوعي القومي والعمل الجماعي والحرص على الإرادة والسيادة والاستقلال، حتى بات الواحد منا يموت كل يوم وهو يتابع أخبار الوطن العربي وأحداثه المؤلمة. وبدأت الساحات العربية تخلو تدريجياٌ من الأسماء والرموز والرجالات الكبيرة. إن تعاظم النازلات والتحديات لم يعد يقابله مماثل له في الرجال، الأمر الذي يضاعف آلامنا وأحزاننا على رحيل حاكم الفايز وأمثاله من فرسان هذا الوطن وشجعان هذه الأمة.
نحن أصدقاء حاكم الفايز ومحبوه، نقول لعائلته وعشيرته ومواطنيه، إنه خرج من الحياة وحسب، ولم ينسحب من قلوبنا وعقولنا. فستبقى صورته في الأفئدة، وبصماته مطبوعة في الوجدان. أكثر الله من أمثالك، فالوطن في هذا الوقت، وكل وقت، بحاجة إلى الرجال؛ بحاجة إلى جهدهم المخلص والدؤوب. حفظ الله الأردن وقيادته، ووفقها لما فيه خيرنا وخير أمتنا.