Image
Image

كلمة في افتتاح المؤتمر العام لحزب التيار الوطني

القيت هذه الكلمة في حفل أقيم في مدينة الحسين للشباب بتاريخ 30/5/2015

 

يسعدني أن أكون بينكم في مؤتمركم السنوي لحزب التيار الوطني، وأن تتاح لي فرصة مشاركتكم في تناول الهم الوطني والإقليمي من منبركم الحزبي هذا، على اعتبار انه هم نتشارك فيه جميعاً.

 

إن هذا اللقاء بحضوره وتنوع أفكاره دليل على أن مبدأ التوافق الوطني أمر متوفر، ففي ظل الاحتراب الطائفي والاقليمي والعشائري الذي نشهده في عدد من البلدان العربية وعلى وجه الخصوص في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ومحاولة بعض الفئات المتطرفة تشويه الهوية الاسلامية بوصمها بالتطرف والمغالاة وتصوير هذا الدين الحنيف على أنه دين قتل وإرهاب، والدين الاسلامي براء من هذه الملل والطوائف التي ترفع السلاح في وجه بعضها البعض وتكفر وتقتل باسم الدين. لأن الدين الإسلامي دين المحبة والسلام والاعتدال، دين التمازج الحضاري وحفظ حقوق الآخرين، الدين الذي يشجع على التفكير العلمي والذي أسقط أهم خزعبلات التاريخ في عبادة الأصنام وانطلق في رحاب التطور.

 

وفي ظل النزاع الطائفي والإقليمي والعشائري على السلطة  في ليبيا، حيث أصبح الوطن بالنسبة لهم -وللاسف-  كعكة يأكل الكل ويريد نصيبه منها، أو في ظل الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والذي يسير بخطى  ثابتة في تنفيذ ما أقره الصهاينة في مؤتمر بازل، في التخطيط لعقلية التوسع، والذي ابتدأ باحتلال فلسطين عام 1948، ثم أكمل مخططه باحتلال كامل فلسطين عام 1967، واستمراره في احتلال الجولان، أو من خلال طرحه الحالي بيهودية الدولة، وهو سائر في تنفيذ مخططاته ونحن سائرون في الإدانة والشجب والاستنكار، ولا نملك أية استراتيجية عمل وطنية لمواجهة تمدده، أو حتى في فرض إقامة دولة فلسطينية، لا بل نجهل إلى أين يسير المخطط الاسرائيلي في التوسع، وهل سيحقق طموحات غلاة الاسرائيلين، في التوسع ليشمل دول ما بين النهرين، النيل والفرات...؟.

 

إضافة إلى دخول قوى اقليمية أطرافا في إدارة الصراع في المنطقة العربية متمثلا على المستوى الاقليمي في إيران وتركيا والدولي روسيا والصين، مقابل الولايات المتحدة الامريكيـــة والغرب إضافــــة لإسرائيل، في ظل وهن أصاب مفاصل الوطن العربي.

إن الحراكات والنزاعات الأهلية التي تحدث في دول ما يسمى بالربيع العربي، وخاصة دول الجوار للاردن لها تأثير مباشر على الوضع الاردني، وهنا تأتي اهمية تمكين الجبهة الداخلية وتعزيز الوفاق الوطني بكل مكوناته.

 

ولذلك نادينا وننادي بأهمية المحافظة على هيبة الدولة وتأكيدها لتكون حاجزاً منيعاً من أي محاولات لهدم هذا البناء الذي يمتد لتسعة وستين عاماً، وذلك من خلال الاعمدة الأساسية التالية:

 

أولاً: الفصل التام بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وعدم تغول السلطة التنفيذية أو أية سلطات خارج إطار الدستور على السلطيتن التشريعية والقضائية ومنحهم الاستقلالية الكاملة في إطار التنسيق المتكامل فيما بينهم.

 

ثانياً: السير بجدية أكبر في عملية الإصلاح السياسي، ولقد قدمت لجنة الحوار الوطني وثيقة متكاملة كما أعدت الاجندة الوطنية لذلك فصلاً كاملاً، وعلى رأس هذه الإصلاحات إزالة التشوهات التي أصابت قانون الانتخاب بفرض الصوت الواحد الذي أساء كثيراً لهذا البناء الديمقراطي، وحتى للتشكيل الاجتماعي داخل الدولة، لنصل إلى قانون ينقلنا إلى مرشح وطن وليس مرشحاً ونائب وطن.

 

ثالثاً: إصلاح بناء مؤسسات الدولة وإزالة الترهل والبيروقراطية والمحسوبية التي إصابته، وتغلغل الشللية فيه مما أدى إلى تراجع أدائه وأصبح معيقا في تقديم خدماته للمواطن بأسلوب حضاري ومهني.

 

رابعاً: تشجيع قيام الاحزاب السياسية وائتلافاتها، وتشجيع انخراط الشباب فيها، بما يسمح لها تداول السلطة في تمثيل عادل داخل البرلمان، مما يهيء لها تشكيل الحكومات المستقبلية، وهذا دور مناط بالدولة وأهمية قيامها هو تهيئة الأجواء لنجاح مسيرة الأحزاب السياسية، مقابل مسؤولية الأحزاب، في أن تكون أحزاب برامج لا أحزاب أشخاص، الأمر الذي يقتضي:

  • إزالة الهاجس الامني الذي يساهم بعرقلة التجربة الحزبية.
  • تأمين الدعم المادي الكافي للأحزاب بما يمكنها من تحقيق الاستقلالية.
  • تصحيح مسار قانون الانتخابات الذي يعتمد على الصوت الواحد.
  • التزام الدولة بالحكومات البرلمانية، بحيث يتاح لهذه الاحزاب تأليف الحكومات اعتماداً على برامجها، والخبرات التي تكونت لديها في إدارة الشأن العام.

إن على الاحزاب السياسية مسؤوليات جساماً في حال تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية، فعندما تحصل على دعم فإن هذا يعني مسؤولية كبيرة امام قواعد الحزب، فعلى الحزب تقديم مواقف جوهرية تخدم القاعدة، وتبرهن على استقلالية الحزب وعدم تـأثره بالدعم المادي، وأستطيع أن أشير إلى حزب التيار الوطني كمثال، بدعوته أن يأخذ مواقف الفعل، اعتماداً على برامج يمتلكها تساهم في تعزيز المسيرة السياسية والاقتصادية التنموية في البلد واعتماداً على ما يختزنه من خبرة في الشأن العام.

 

خامساً: وقف الاعتداء المستمر على المال العام، ومحاربة الفساد، الذي شكل عبئا على صدور المواطنين وجيوبهم، وأن يكون القضاء المستقل فيصلاً في كل القضايا التي تطرح.

 

سادساً: اعادة النظر بالعمل بمفاهيم دولة الجباية، والتحول إلى دولة انتاج، تساهم بإزالة أشكال البطالة السائدة وبخاصة بين الشباب.

 

سابعاً: مشاركة قطاعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية على الساحة الأردنية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي. وتمكين عادل للمرأة في مختلف المجالات وعلى أسس تشريعية، وتحقيق مشاركة فاعلة لقطاع الشباب في صناعة القرار.

 

أما على المستوى العربي فنورد العناصر التالية:

 

اولاً: تعتبر القضية الفلسطينية وحلها الحل العادل الذي يضمن اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينين، هي مفصل قضايا المنطقة العربية وعنوان رئيسي تعيشـــه الدولة الاردنية.وأن أي تفريط -لا سمح الله-سيكون له تاثيرات ونتائج لا تحمد عقباها.

 

ثانياً: إن أي حل للقضية الفلسطينية، سواء أكان فوق الطاولة أو تحتها، فإن الاردن معني به في الدرجة الاولى.وأن أي حل لا يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، هي خدمة مجانية لإسرائيل، ومساعدتها على استمرار احتلالهالفلسطين بغير كلفة، لا بل بأرخصها، والأهم أن المتضرر الرئيس سيكون الأردن. ولذلك على الأردن أن يكون له دور فاعل وحقيقي في رفض أية تسويات أو حلول لا تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ثالثاً: يطرح الساسة الإسرائيليون حاليا مشروع "يهودية الدولة" وهذا المشروع إن تم، فله تداعيات كبيرة، وهذا سيصعب الوضع على الدولة الاردنية أكثر وأكثر. وأعتقد أنه ليس فقط من مصلحة الفلسطينين مقاومة هذا المشروع، بل هو ايضا مصلحة أردنية بالدرجة الاولى، ومصلحة دول الجوار، والعرب أجمعين، لما يحمل في طياتهمن خطر كبير. الأمر الذي يستدعي من الدولة الاردنية إقامة تحالفات تخدم إسقاط هذه التوجه، أو تنفيذه في المستقبل القريب، لأنه كما سبق وأشرنا ان القضية الفلسطينية هي مركزية القضايا العربية، وإن لم تكن البوصله موجهة نحو فلسطين بالدرجة الاولى، فهذا يعني أن هنالك خللاً كبيراً أصاب هذه البوصلة.

 

رابعاً: أهمية المحافظة على عمق الدولة الاردنية العربي، والمساند لقضايا الشعوب العربية، وخاصة دعم القضية الفلسطينية وتلك التي تعاني الاحتراب الطائفي، وعلى وجه الخصوص دول الجوار العربي. وهذا يعني أن يدرك الأردن جيدا أنه يسير في الاتجاه الذي يخدم هذه المفاهيم، حتى في ظل الفوضى التي تعاني منها هذه البلدان وبخاصة سوريا والعراق، وأن علينا في الأردن أن ندرك جيدا في تحالفاتنا مع الغرب أنه يتعامل معنا على أساس مصالح، وهي تحالفات مؤقتة. إلا أن التحالفات العربية العربية هي التي تستند إلى القواسم المشتركة ومصالح الجوار وهي الباقية.

 

يبقى أن أذكر أن علينا أن نمكن جبهتنا الداخلية، إن التنوع في الاراء في كيفية خدمة الوطن هو إثراء للمحتوى القيمي للاردن، ولا يجوز باي حال من الاحوال تخوين أو تكفير أو رفض أي فكرة يرى فيها صاحبها أنه يحمي ويعلي من شأن الاردن، على أمل أن تتجاوز الفكر الراديكالي في الطرح الذي فيه إقصاء وتهميش للاخر، وهي دعوة كما هي للدولة، أتوجه بها للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن، في ان يكونوا قدوة في هذا الشأن وبخاصة للشباب، وان تكون لديها البرامج التي تلبي طموحاتهم والتي تساهم في جذبهم للانضواء في خدمة اوطانهم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image