حصاد عام 2000–عربياً
محاضرة ألقيت بدعوة من الجمعية الاردنية البريطانية في عمان بفندق اللاند مارك بتاريخ 18/12/2001
أعترف لكم أنني اخترت "حصاد عام 2000 – عربياً" عنواناً لمحاضراتي، كي أنقل إليكم صورة متفائلة لمستقبل النزاع العربي الإسرائيلي، وكي أضع في وجدان المستمع الأردني نفساً إيجابياً، وأبعده قدر الإمكان عن التشاؤم، إذ بدأت تتنامى في النفوس تلك الروح السلبية وحتى الشعور باليأس من حال الأمة. وربما في نهاية عرضي لحصاد العام الماضي أترككم وبكم بعض التفاؤل والثقة بأن هذه الأمة تتجدد وتتغلب على أمراضها وتبني مستقبلها بروحٍ ورؤيةٍ جديدة.
ما يجعلني متفائلاً هو أن ثلاثة أحداث هامة وتاريخية وقعت عام 2000، وستكون لها مدلولاتها السياسية والتاريخية بعيدة المدى، ولا شك أن هذه المدلولات ذات صلة مباشــــرة بأمر النزاع العربي الإسرائيلي. وكل واحد من هذه الأحداث يتأثر بالآخر ويؤثر فيه، وأدت كلها مجتمعة إلى جعل العام الماضي عاماً صعباً، ولكنه عام الانطلاق والتجدد.
إن انتصار المقاومة اللبنانية، وهو الحدث الأول في حديثنا، وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي هو عمل عظيم ونقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فقد جاء الانسحاب بشكل مستعجل وتحت جنح الظلام ودون شروط مسبقة، ليعبر عن انتصار فرضته الإرادة والمقاومة الشعبية مقابل الآلة العسكرية الرهيبة التي فشلت في الحفاظ على الاراضي التي أرادت إسرائيل أن تبقيها محتلة تحت سيطرتها. واضطرت هذه الآلة للإذعان لقوة وعظمة الاستشهاد والإصرار على التضحية مما حقق الانسحاب من طرف واحد، وقد كان المجتمع الإسرائيلي بكل فئاته مرحباً بالقرار السياسي بالانسحاب وغير عابىء بالطريقة المذلة التي ترك بها جيشه الأراضي اللبنانية المحتلة، وأصبح واضحاً أن الغطرسة العسكرية الإسرائيلية قد تواضعت، وأن الكبرياء الوطني قد تم ابتلاعه، مقابل التعامل مع الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة، ومن السخرية أن نلاحظ أنه مقابل التخلص من التركة القذرة والثقيلة التي فرضها شارون سيد الاحتلال ومنظمه، فقد تم انتخابه رئيساً للوزراء بأغلبية لم يحصل عليها أي رئيس للوزراء في إسرائيل. ولا بد أن الإسرائيليين قد وقعوا في تناقض واضح، ولكنني سأعود لأمر الوضع الداخلي في إسرائيل لاحقاً.
هذه أمور ووقائع لم يعتدعليها المواطن أو الجندي الإسرائيلي.فقد كان هذا الجندي يذهب للقتال وهو مقتنع بأن سلاحه هو الأقوى، وتنظيمه هو الأحسن، وحمايته هي الأفضل، وهدفه هو الأوضح، لذلك لا بد وأن يكون النصر حليفه وبأقل الخسائر وبأسرع الأوقات، كل ذلك تغير في جنوب لبنان على يد المقاومة التي تقاتل بالأسلحة الخفيفة وبالطرق التي لا ترقى لمستوى الجيوش، ولكنها كانت مسلحة بالإرادة والإيمان، ففي لبنان كما في فلسطين، أصبح الاستشهاد بديلاً عن الضعف العربي. وأصيبت الترسانة العسكرية الإسرائيلية التي صرفت إسرائيل مئات المليارات من الدولارات على إنشائها، أصيبت بالشلل في مواجهة البندقية اللبنانية والحجر الفلسطيني، وتحولت أهمية ال (ف 16) إلى البندقية والرشاش وقاذفة الغاز، وهذه أدوات بالإمكان مواجهتها عند المقاوم اللبناني والفلسطيني.
لقد أصبح ثابتاً أن المعادلة التي أطرافها الشعب والمقاومة، والإسناد لها من الدولة ومن الأقطار العربية ضمن قبول وتعاون إقليمي، يمكن أن تفرض إرادتها وقوتها المعنوية والسياسية على الأرض، وتهـــدم كل مقومات الاحتلال، وتجيب عن سؤال البعض، ما البديل عن المفاوضات والقبول بالأمر الواقع ؟ إن أطراف هذه المعادلة في الموضوع اللبناني كانت حزب الله والدولة اللبنانية وسوريا وإيران، وقد فرضت نفسها على كافة المستويات بحيث أصبحت إسرائيل هي الشاكية وهي المنسحبة. ولم تجد شكواها إذناً صاغية حتى عند اصدقائها في الولايات المتحدة، وبالرغم من التباين في الوضع بين لبنان وفلسطينوفي التحالفـــات الإقليمية بين الوضعين والبلدين، فإنني أعتقد أنه يمكن لهذه المعادلة، المقاومة، الدولة، الأمة العربية والسند الإقليمي أن تتكرر بأشكال أخرى تؤدي إلى تحرير فلسطين وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة.
أما الحدث الثاني فهو انتفاضة الأقصى، ويبدو أن ما حدث في لبنان كان أكثر من تحرير الأرض بل هو أبسط الإنجازات، الأهم كان تحرير الإنسان والإرادة، فجاءت الانتفاضة لتكون التوأم للمقاومة اللبنانية. وتتحول الانتفاضة الآن تدريجياً لتصبح مقاومة شعبية عارمة، وإنني على ثقة بأنه إذا تم توفير الأسباب لاستمرار للانتفاضة، فإنها ستكون أداة سياسية وعسكرية تؤدي إلى التحرير والاستقلال.
لقد جاء انتخاب أرييل شارون بهذه الأغلبية الساحقة في سياقه الطبيعي، معبراً بشكــل واضح عن الآثار النفسية والمعنوية التي تركها الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، والتي تركتها الانتفاضة على المجتمع الإسرائيلي، إن إسرائيل تعاني منذ سنوات من مظاهر ضعف داخلي تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، ومن أهم أسباب هذا التراجع والضمور استمرار النزاع العربي الإسرائيلي وعدم التوصل لتسوية للقضية الفلسطينية، وازدياد المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي لدرجة أن المواطن عندهم يشعر بعدم الأمن والاستقرار وبالقلق على مستقبله أكثر من أي وقت مضى، وذلك بالرغم من مرور 35 عاماً على التوسع وبناء الترسانة العسكرية والنووية، وبالرغم من احتلال الأراضي، ووصول مستوى معدل دخل الفردالسنويلحوالي 18 الف دولار، وبالرغمأيضاً من تفتت الأمة العربية وتشتتها.
إن هذا الوضع النفسي للمواطن الإسرائيلي، والمشكلات التي يواجهها داخلياً، والحقائق المرتبطة بهذا الوضـــع، لا يمكن حذفها في سياق النظر إلى احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية ووضعها في المنطقة، وفي سياق مستقبل الصراع، فالتناقضات الداخلية سوف تجعل وجود إسرائيل في أزمة على المدى الطويل.فإسرائيل كيان أساسه ديني وتناقضاته قومية وطنية، ولذلك فعوامل تفجيره تكمن في داخله، إن مأزق إسرائيل هو أن شرعيتها في نظر جزء من مواطنيها نابعة من أصلها وارتباطها الديني، ومن بنائها المؤسسي الديموقراطي في نظر الجزء الآخر من مواطنيها، وإذا ما تم تغليب الطابع الديني علــى الدولة ومؤسساتها، كما يطالب المتدينون، فإن ذلك سوف يلغي أساسها الديموقراطي، أما إذا تم تغليب الطابع العلماني والمؤسسي الديموقراطي، كما يطالب العلمانيون، فإن ذلك سوف يلغي أساسها الديني، وفي كلتا الحالتين، ورغم انتمائهما المشترك إلى الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني، ينظر كل من المتدنيين والعلمانيين إلى بعضهما البعض على أن كلا منهما يحاول سلب شرعية الدولة الإسرائيلية، وهو بالتالي يسلب أيضاً شرعية فكره ووجوده، فالدين في إسرائيل يصبح في نظر المتدينين وطنية، بينما يرى العلمانيون أن الأساس الديموقراطي ومؤسساته هو عماد الوطنية، إن هذا الاستقطاب الحاد في إسرائيل لم يختف، بل يمر حالياً بفترة مهادنة بسبب الانتفاضة وما فرضته من واقع على الحياة السياسية في إسرائيل. وقد جاء انتخاب شارون، ليعمق بدوره الشرخ بين هاتين المجموعتين بالرغم من تأكيده على المصالح والوحدة بينهما، وبالتالي فإنه يضعف أكثر فأكثر أسس الديموقراطية الإسرائيلية، ويصف المحللون السياسيون الإسرائيليون مجتمعهم بأنه ممزق اجتماعياً وثقافياً وايدلوجياً، وأن إسرائيل هي دولة دون إجماع.
أمر آخر يجب أن لا نهمله أو أن نضخمه، وهو عدم استقرار الحياة السياسية في إسرائيل، وظهور حالة من الفوضى والضياع السياسي فقد اعتمدت الحياة السياسية والديموقراطية على حزبين رئيسيين هما العمل والليكود، وقد بدأ هذا المفهوم ينهار تدريجياً منذ وصول إسحق رابين إلى السلطة ومشاركة شمعون بيريز فيها وباجتماع وتعاون شخصية الاثنين التاريخية والمؤثرة بدأت مؤسسات الحزب ومرجعياته تتراجع لصالح رئيس الوزراء، وتكرر هذا الأمر مع حزب الليكود أثناء حكومة بنيامين نتنياهو وأصبح الأمر فاضحاً أثناء رئاسة أيهود باراك إذ أهمل تماماً وزراء ومؤسسات حزبية وحكم في كثير من الأمور بشكل منفرد، ومما زاد الأمور سوءًا أن واقع القضية الفلسطينية فرض على حكومات إسرائيل أن لا تكمل مــــدة حكمها، فقد قتل رابين على يد إرهابي يهودي ولم يكمل مدة حكمه، وكذلك بيريز (لم يكمل مدة حكمه).أما نتنياهو وباراك فقد أجبرا على الاستقالة من رئاسة الحكومة قبل انقضاء المدة، وهذا ما سيحدث مع شارون.وسوف تلغي انتخابات الكنيست القادمة هيمنة الحزبين القائدين وستعيش إسرائيل مع 4 او 5 أحزاب متساوية في القوة الانتخابية مما سيعقد الانسياب السياسي ويجعل أمر الحكم في إسرائيل أمراً شائكاً وصعباً، وسنرى أن الناخبين الروس سيدلون بأصواتهم في انتخابات الكنيست القادمة لأحزاب روسية وليس لأي من الحزبين الرئيسيين، وهذا ما ينطبق على الناخبين العرب الذين سيصوتون لقوائم عربية، وهذاسيحدث مع شاس وباقي الأحزاب الدينية الأخرى، وتبلغ حصة كل من هؤلاء حوالي 20% من مجموع الناخبين في إسرائيل، إذن، فإن حوالي 60% من الأًصوات ستذهب للقوائم التي ستتألف على أساس إثني: روسي عربي ومغربي. ولن يبقى للحزبين الرئيسين وباقي الأحزاب اليسارية والعلمانية الأخرى سوى 40% تقريباً، ناهيك عن أن احتمال انشقاق حزب العمل أصبح أكثر قوة نتيجة للخلاف على شروط حل القضية الفلسطينية والمشاركة فيما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وهذا يعني في معناه الواسع والعريض أن القضية الفلسطينية وأمر الاحتلال أصبحا قضية إسرائيلية داخلية وليس بالتحديد قضية بين الإسرائيليين من جهة والفلسطينيين والعرب من جهة اخرى. ومشكلة إسرائيل في كل هذا، أن المجتمع الإسرائيلي لا يبدي استعداداً لدفع ثمن السلام، ولم يعد يتحمل أوزار الحرب، فكلما اقترب الإسرائيليون من السلام، هربوا إلى الحرب التي أصبحت مكلفة أكثر مما يتحملون، وكلما اقتربوا من الحرب، هربوا إلى السلام الذي أمسى غالياً أكثر مما يتصورون.
ولا شك لدي فيأن عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى زيادة نفوذ المؤسسة العسكرية، بل أريد أن اضيف فكرة قابلة للنقاش ولن أتمسك بها وهي احتمالية أن تقوم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالضغط باتجاه العودة إلى نمط الحروب الاقليمية لتستعيد الآلة العسكرية أهدافها القابلة للتنفيذ، ولتضيف ما يمكن أن يعيد لها الوزن السياسي الذي بدأت تفقده بسبب التحولات في دورها الذي نتج عن عملية التسوية. ويقبل السياسيون المتناحرون بهذا الأمر حتى تنقل إسرائيل مشاكلها وهمومها إلى خارج حدودها وتصدرها إلى دور الجوار، وتاريخياً استفادت إسرائيل من مثل هذا الوضع لأنه يقلب وضع المجتمع الممزق ليصبح متماسكاً في وجه التحدي والخطر الفلسطيني والعربي. فالمواجهة مع الشعب هو أمر لا تفضله إسرائيل، بل ما تريده هو المواجهة مع الجيوش.
وفي هذا السياق، يجب ألا ننسى الأمر الديموغرافي وأثره، إذ يعيش على أرض فلسطين 4 ملايين فلسطيني متمسكين بأرضهم وقوميتهم وهويتهم، مقابل 5 ملايين يهودي إسرائيلي وأصبح قسم كبير من الفلسطينيين يعيشون (في عب) إسرائيل وبشكل متشابك معها، ولا يمكن لإسرائيل إلا في حالات محدودة إجراء الفصل بين العرب واليهود وبين الفلسطينين والإسرائيليين، وأعتقد أنه في المدى البعيد وفي ظروف السلام الحقيقي، سوف يحدث (Dilution) للهوية والوضع الاسرائيلي لصالح الهوية الفلسطينية وسيحدث هذا حتى دون عودة الجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين إلى بلدانهم، وكنت قد ذكرت في بداية كلامي أن معدل دخل الفرد في إسرائيل أصبح حوالي 18 ألف دولار سنوي، وأريد هنا أن أدخل عامل الخصخصة وازدياد الرخاء والازدهار الاقتصادي لأقول أن ذلك قد أضعف البنية القيمية والعقائدية للمجتمع الإسرائيلي وأضعف مفهوم الدولة الحصن، ولا يغرنكم إجماع الإسرائيليين على انتخاب شارون، فهذه مرحلة مؤقتة سببها ارتكاب باراك أخطاء سياسية فاحشة في التعامل الداخلي مع الأحزاب ومع الفلسطينيين والانتفاضة وعرب فلسطين، وإذا ما أنشئت الدولة الفلسطينية المستقلة الناجزة، فلا بد أنها سوف تفرض نفسها ووجودها على الجوار شرقاً وغرباً، وهو ما يسمى بدكتاتورية الأشياء.
من هذا المنطلق، واعتماداً على كل ما تقدم من حقائق وظروف، أقول إنني على ثقة بأن الانتفاضة هي عمل مكمل للمفاوضات، وأن المفاوضات هي دعم للانتفاضة.
أمـــا الحــدث الثالث فهو انعقاد القمة العربية في القاهرة في اكتوبر الماضي بحضور جماعي عربي، وقد عقدت بفعل الضغط الشعبي العربي العارم لدعم الانتفاضة واتخاذ موقف عربي موحد تجاه العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وتقرر أن تعقد القمم بشكل سنوي دوري على أن تكون القمة الأولى في عمان، وأقرت هذه القمة أمر تفعيل مكاتب المقاطعة العربية لإسرائيل كما أن القرارات والبيان الختامــي للمؤتمر قد قضى على مفاهيم التعاون الإقليمي والاندماج الإقليمي والشرق الأوسط الجديد والغائها، أو على الأقل تجميدها، وهو أمر عملت إسرائيل والولايات المتحدة جاهدتين على غرسه في النظام العربي، وآمنت به بعض الجهات العربية التي عادت واكتشفت أن ذلك ليس بالأمر اليسير.
وقد تزامن ذلك كله بالعودة التدريجية والبطيئة، ولكن الثابتة، للعراق إلى الجامعة العربية والنظام العـــربي. فبعد أن بدأ الحصار على العراق يتآكل، وبعد أن انفجرت الانتفاضة ومعها الشارع العربي بأكمله، مؤكدين للحكام أن التشدد مع إسرائيل هو الحل البديل وليس التساهل والتنازل، وهو الأمر الذي ينادي به العراق وبعد أن وقعت كل من مصر وسوريا اتفاقية للتجارة الحرة مع العراق، عاد العراق ليصبح لاعباً في الساحة السياسية العربية.
لقد جاءت قرارات القمة العربية لتعبر عن القاسم العربي المشترك بين الدول الأعضاء في النظام العربي، ولتصوغ موقفاً عربياً واحداً تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وتسويته، وتجاه مقاومة التغلغل الإسرائيلي ومعاقبته على جرائمه، كما جاءت القرارات لإعادة الحيوية للنظام العربي وإحكام آليته، ولكي يكون هذا النظام بداية الطريق لتواجه الدول العربية الخطر المحدق بها من كل الجهات، داخلياً وخارجياً، وبعد أن أصبحت إسرائيل تهدد الأمة العربية، ليس بالآلة العسكرية والنووية، ولا بالتلاعب على التناقضات والاختلالات الداخلية فحسب، بل أيضاً في محاولة السيطرة أو التأثير على قضايا حياتية تتعـــــلق بالمواطن العربي وأمنه الاقتصادي مثل الماء الذي يأتي في معظمه من خارج حدود الوطن العربي.
إن إعادة الحياة إلى نظام عربي جديد وايجاد آلية فاعلة له، هي أملنا في إخراجنا من الاعتماد على الغير، أو انتظار الحل على يد الاخرين، وها نحن نرى أن هناك رأيا يقول أن شارون واليمين الإسرائيلي لن يبقيا في الحكم طويلاً، وأن اليسار الإسرائيلي يعيد تنظيم نفسه، وأن لنا املاً أفضل فيه، تماماً كما بقينا نأمل بأن يكون ذلك الرئيس الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني أفضل لنا من سابقه، وفي ظل هذا العجز وبهذا الوضع الفكري والنفسي ننسى دائماً أن الحل في أيدينا، فإن لم نقرر ما نريد وما لم نفرض على العالم ما نريد، فستبقى أوهام الحل على يد الآخرين تعيدنا للوراء وتثبت أقدام إسرائيل في فلسطين ولا يعلم إلا الله وحده متى سنتمكن من الخروج من دائرة المراهنات الخاسرة على الآخرين؟ وهل سيأتي وقت تقتصر فيه المراهنات العربية على قدراتها الذاتية؟ وهي قدرات كبيرة، إن اقتداء العرب بالموقف الفلسطيني الذي ثار على الواقع وقرر السير في انتفاضته حتى الاستقلال، والموقف الرائع الذي قرره فلسطينيو ال 48 بمقاطعة الانتخابات الإسرائيلية، أمر ضروري ولمصلحة النظام والمستقبل العربي، هذا الموقف الفلسطيني سوف يفرض نفسه يوما ما، ولو بعد تضحيات كبيرةعلى إسرائيل والعرب والعالم. إن فشل شارون او نجاحه مرتبط بالوضع العربي وبالإشارات التي ستنطلق من القمة العربية القادمة.
وإن هذا كله يتطلب إحياء مؤسسة الجامعة العربية وأمانتها العامة، وجعلها متحركة وديناميكية كي تواكب أهمية هذه المؤسسة وإعادة الحياة إليها من جديد وبغض النظر عن الأسباب التي دعت مصر لترشيح عمرو موسى أميناً عاماً، فإنني على قناعة بأن ذلك يتناسب مع هذا المطلب، وسوف يلبي صورة العمل العربي المشترك الجديدة.
إن أملنا كبير هذه المرة بجدية القادة العرب في رسم استراتيجية عربية في مواجهة الخصم الإسرائيلي، وفي وضع استراتيجية عربية اقتصادية. وإننا نأمل أن تكون المصالحة حقيقيــة هذه المرة وأن يتغلب الزعماء العرب على حساسياتهم وخلافاتهم وعلى جراحهم أيضاً، ومهما هربنا من الواقع فإن مصيرنا واحد، ويتعامل الأصدقاء والخصوم معنا على أساس أننا كلنا عرب متشابهون بالجينات والأوصاف والمشاعر.