Image
Image

الملتقى العالمي لمكافحة الفساد

ألقيت هذه الكلمة الرئيسية للملتقى الذي عقد أعماله في فندق المريديان 24/9/2012 برعايتي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.يسرني ابتداءً، أن أرحب بالضيوف الكرام المشاركين في الملتقى، وأن أحيي الجميع، على جهودهم المثمرة بإذن الله، وأن أتمنى لهذا الملتقى النجاح في تعزيز التعاون العالمي، على صعيد الحد من آفة الفساد، والتوصل إلى قناعات مشتركة، وفاعله وذات أثر، من شأنها الإسهام في مواجهة هذا الخطـــر، الذي بات يتهدد مسيــرة المجتمعات، في العديد من دول العالم، وبالذات الدول النامية منها.

 

لا شك في أن الفساد وبشقيه المالي والإداري، وفي القطاعين العام والخاص، هو في المحصلة ناجم عن فساد أخلاقي، قوامه الاستخفاف بكثير من القيـــم الإنسانية السامية، وفـــي طليعتـــــــها قيمـــة "النزاهة". وهي قيمة تأخذ في الانحسار وربما التلاشي أحياناً، لدى فئة من القائمين على الأمرفي هذا القطاع أو ذاك، عندما تغيب الشفافية والوضوح عن منظومة القرارات والإجراءات. ولذلك أسبابه ومبرراته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ضعف التشريعات الضامنة للنزاهة، وإساءة البعض لاستلهام مفهوم الوظيفة العامة أو الخاصة، وتدني منسوب العدالة في مسيرة المجتمعات، وبروز مراكز قوى تعتقد أن بإمكانها استباحة حقوق الغير، دون أن تتعرض للمساءلة، لغياب الشفافية، وغياب الإعلام المؤثر، وفي الوقت ذاته، غياب العقوبة الرادعة. كل هذه العوامل، وسواهـا من المبررات التي تخلق بيئات محفزة للفساد، هي في مجموعهـــا أسباب لجريمة بينِّة، تتحمل المسؤولية فيها من وجهــة نظر عامة، المنظومة التربوية، والتعليمية والإعلامية والبيئية والمجتمعية. وهي جميعهـا، عوامل لها دورهــا الكبير، في تشكيل شخصية الفرد. ومن هنا كنت وما زلت، من أشد المؤمنين بحتمية أن تتقدم مهمة تعظيم النزاهة، على مهمة إيقاع العقاب بحق مرتكب جريمة الفس، باعتبار أن الهدف الأول، هو منع وقوع الجريمة لا معاقبة الجاني، مع وجاهة تغليظ العقوبة في هذا المجال.

 

تشهد المجتمعات الإنسانية ومنذ فجرها، أنواعاً شتى من الفساد، وبنسب تتفاوت تبعاً لظروف هذا المجتمع أو ذاك.فحيث يعم الجهل والتخلف والفقر واللاديمقراطية، وضعف الوازع الديني والأخلاقي، يتنامى الفساد أكثر وأكثر. وحيث يسود العدل والمساواة والشفافية والتحضر، يتلاشى الفساد إلى مربعات مقبولة نسبياً، عندما لا تكون ذات أثر مؤلم، في حياة المجتمعات.

 

لقد تنامى الفساد في كثير مـــن دول العال، خلال العقدين الأخيرين. وبالطبع، فقد كان للظروف الدوليــة، المتصلة بالنزاعات، وشيــوع ظاهرة الاستقواء على الآخر، والحروب وما ينجم عنها من ويلات، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، وغياب العدالة، أثرها الكبير، في ظهور الجماعات والعصابات، وما يسمـــى بـِ "المافيات" التي تنشر الفساد وتحفزه في سائر أرجاء المعمـــورة، وبكــــل أشكاله المالية والأخلاقيــــة.وبــــــرزت ظاهــــــرة مـــــا يسمى "غسيل الأموال"، وغيرها مــن الظواهر التي تتناقلها وسائــــل الاتصال الحديثة المتطورة.وأصبح الفساد عابراً للدول وحتى للقارات. وما زالت الجهود الدولية، عاجزة عن مواجهة هذا الخطر الكبير، والذي يتهدد أمن وسلامة المجتمعات كافة.

 

أردنيــا، لدينا شكوى من تنامي هذه الآفة الموجعة، فنحن وبحكم موقعنا الإقليم، وسط منطقة ملتهبة، شهدت ومازالت ومنذ قيام دولتنا الأردنية، حروباً ونزاعات عديدة ومستفحلة، عانينا ونعاني، من بروز ظاهرة الفساد وبتفاوت عبر العقود.وأصبح شعار مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين، مطلبا أساسيا ولدى كافة القوى السياسية والمجتمعية، وجزءً من برنامج الإصلاح والتصحيح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن هُنا، فقد بذلنا جهوداً كبيرة للحد من هذا الخطر، وعملنا على إعادة نظرٍ شاملة، في كثير من التشريعات التي نعتقد بضرورة تفعيلها، في مواجهة هذه الآفة، فأسسنا هيئة لمكافحة الفساد تتولى  متابعة هذا الأمر، ونسعى وباستمرار، إلى تفعيل دور الهيئات التربوية والتعليمية والإعلامية، وسائر مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانــب هيئات الرقابة الحكومية الأخرى، ومنها ديوان المحاسبة، وديوان المظالم، وهيئات الرقابة الذاتية، في سائر مؤسسات الدولة. ولدينا يقين بإذن الله، بأن هذه الجهود مجتمعة، سيكون لها الأثر، في تعزيز مبدأ الوقاية والعلاج معاً. وبالرغم من كل ذلك، فقد بقي هذا الجهد غير كاف عند تلك القوى.

 

أُدرك أن الأخوة الكرام المشاركين في هذا الملتقى، لديهم بالضرورة ما يثرون بـــه النقاش، حول هذه المسألة، المقلقـــة للمجتمع الإنساني بأسره. ولهذا فنحن في السلطة التشريعية، وسائر مؤسسات الدولـــة، بانتظار ما تتوصلون إليه من نتائج وتصورات، وسنسعى للاستفادة منها إن شاء الله، لتعزيــز جهودنا في هذا الإطار. لكنني وقبــل أن أختم، أود الإشارة إلــى نقطتين. الأولى هي أن الفساد، أي الاعتداء على المال العام، وبالذات في دول العالم الثالث، قد بدأ واستشرى عند طبقة مسؤولي الدولة الذين يملكون سلطة القرار والنفوذ، والذين يستعينون بشرائح من القطاع الخاص حتى تنفذ ما يريدون، وبالتالي أصيب القطاع الخاص بما يعاني منه القطاع العام من أمراض. أما الثانية فهي أن القوى النافذة في هذا العالم، والمهيمنة على مجمل مخرجات القرار الدولي، والذي يصيب سائر الدول والمجتمعات، إن سلباً أو إيجابا، تتحمل مسؤولية ما وبصورة مباشرة، وغير مباشرة، عن شيوع الفساد على هـــذا الكوكب، عندمــا لا تُلقي بالاً لمبدأي العدل والحياد في قراراتها ومواقفها، وعندما يسود الظلم، والقهر، والاحتلال، والتشرد، والفقر، أرجاء شتى من بقاع الأرض، لا سيما في هذا الإقليم، حيث تتصارع المصالح الإقليمية والدولية بصورة مرعبة، غير آبهةٍ بمصالح وحياة ومستقبل شعوبهــا، في زمن لا تملُّ فيه تلك الدول، الحديث عن الحرية والعدل والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، وتشن الحروب أحيانا بغطاء تلك المبادئ، ولكن من أجل مصالحها، ومصالحها وحدها دون سائر الشعوب الأخرى.

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image