Image
Image

عيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية الثامن والستون

ألقي الخطاب بصفتي رئيس مجلس الأعيان في احتفال اقيم في قصر رغدان بتاريخ 25/5/2012

 

صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين المعظم،

صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد الله المعظمة،

صاحب السمو الملكي، الأمير الحسين بن عبد الله ولي العهد المعظم،

 

فإن الاحتفال بذكرى الاستقلال، وبالذات في هذا الزمن العربي الصعب، يضعنا أمام جملة من الحقائق الجديرة بالتأمل والاهتمام. ومن حقنا نحن الأردنيين، أن نزهو بما أنجزنا. فعبر تاريخ يمتد لتسعة عقود، وبرغم ما طُبعت به تلك العقود من حروب ونكبات وتحديات فاقت مقدراتنا، تمكنـــا بحمد الله أولا، ثم بالإرادة والطمــوح والوحـدة، من بناء دولة مستقلة.دولة تجاوز دورها وحضورهـا حدودها، وحدود العرب والإقليم كله، وصار إنسانها الحر الكريم الواعي، سفيراً للحرية والكرامة. ومن المؤكــد أن ذلك لم يكــن نتـاج الصــدفة، فنحن بصـدد وطن محـدود المساحة والمــــوارد، وشعـب عظيم لا يعــرف للطموح والإرادة حـــدوداً، وقيادة كريمة واجهت التحدي بشجاعة، فصار المنجز عظيماً، وبالرغم من ذلك مازال أمامنا طريق طويل.

 

إن هــــذا المنجـز الرائـع ما كــان له أن يتحقـــق، إلا بسهر رجـــال مخلصيـن صانوا العهد والوعد، وسلموا راية الإنجاز للجيل من بعدهم. فما كانوا صغارا أمام المغنم، ولا نفذ الخراب إلى الضمائر منهم أبدا، وإنما ظلوا كباراً، كبر الثورة العربية الكبرى، وقد تفجر، من أجل كرامة الأمة، وحرية الأمة، واستقلال الأمة، كل الأمة بلا استثناء، لا يفرقهم لون أو أصل أو جنس أو معتقد، بل يجمعهم همٌّ واحد، هو استعادة مجدٍ عربي كان، وتوحيد أُمة تفرقت بها السبـل، وانتزاعُ كرامة عربية طاولها الأذى.

 

وعلى هـدي من هذا، كان الاستقلال، والاستقلال يجب أن يُصان، والوطن بكل مكوناته، وبكل درجات السلطة فيه، يحتاج إلى وقفة مراجعة وتأمل بين حقبة وأخرى. فنحن بأمس الحاجة إليها اليوم، منعاً لوصول البلاد إلى حالة من التردي وسعيا لتجذير مدنية الدولة، وترسيخاً للمبادئ السامية في مسيرتها.

 

إن العبـــور إلى المستقبل المحكوم بالأمـل، يستنهــــض فينا كل تلك القيــــم الإنسانية النبيلــة في الدولـة المدنيــة والحكم والقيـادة الراشـدة الراسخـــة فــي وجـــدان وعقـول الأردنييـــن، وهم ينهضون سوياً لبناء دولتهم الديمقراطية الجديـدة التي أرادتهـا جلالتكم نقيـة راسخه لا شائبة فيها.

 

تلـك القيــم الساميــة، معناها أن الأردن، الشعب والقيادة والمؤسسة والمنجـــزات، وطن يستحق أنْ يحترم.فهو في صلب الأمة، لا على الهوامش منها، وهو في صميم وجدان الإنسانية، لا خارج حدود الوجدان، متى كان الوطن كذلك. فإنه جدير بامتلاك سمة الأنموذج، عندمـــــا يترفع أهلـــه فوق الصغائر ناصرين للحق، رافضيـن للباطل، تواقين للحرية، رافعيـن لواء العدل والنزاهة واحترام الحقـوق، صفــــا واحداً في مواجهة الأذى، شركــــاء في الغــرم والغنـم، يتبايــن الاجتهــــاد بينهــــم من أجل الوطــــن، لا على الوطن، يجمعهـــــم الطمــوح، ولا يفرقهـــــم الطمع، فهم شعب واحد، يجــددون الذات نحو الأفضل إطار ونهج، في الإصلاح الحقيقي، المستند إلى حقيقة ان مدنية الدولة ونهجها الديمقراطي، من أهم ثوابتها، يكرسون مبدأ التوافق الوطني، في ظلال دولة القانون والمواطنة التي لا مجال فيها لإقصاء الآخر. ويؤمنون بأصالة التـــوازن بين الحق والواجــب، بحيث لا تطغى الحقوق على الواجبات، ويكرسون مؤسسية القرار نهجا للدولة، في سائر ميادين العمل.

 

هذا ما يجب أن يكون عليــه الوطن الأردني، وهــذا ما نسعــى لتحقيقه بإخلاصٍ، في إطار الإرادة السياسية الملتزمة بتحقيق الإصلاح الشامل والناجز غير المجزّأ، الإصلاح الذي يلبي مطالب الشعب الحقيقية وتطلعاته، وفي إطار الوطن الأردني الموحد، غير المرتهن، لأوهام ما يسمى بالوطن البديـــل، وتطلعــات الأعداء، وهنـا لا بد من أنْ أُشيـر وباعتزاز، إلى أن وضــوح الرؤية، وسداد الرأي، وحسن الإدارة، هي بحق، من مميزات هذا الوطن. وفي طليعة منجزاته.وهي عوامل أوصلتنا إلى هذا الأمن والاستقرار.وأي خلل فيها لا سمح الله، ستكون له تداعيـات كبيرة، الأمر الذي يجعل الحفــاظ عليها واجبــاً وطنياً مهماً.

 

يؤلمنا كثيرا ونحن في ظلال الذكرى العزيزة، أن نرى الربيع العربي في بعض أرض العرب، يُـــروى بالدم، وبالقتل والقهر والتشرد وانعدام الأمـــن، ونسأل الله السلامة لكل أقطار العرب. وفي المقاب، يبعث فينا الاعتزاز والأمل، أن نرى الربيع الأردني، يروى بالحرية وبالإنجاز، ويثير فينا حمية العرفان والتقديـر معا، إذ نرى جلالة قائد الوطن، يقود نهج الإصلاح، والاستجابة لطموح الشعب، باعتباره مصدر السلطة، وضامن قوتها. وحسبكم أن التاريخ يسجل لكم بإخلاص، أنكم تقــودون شعبكـــم من أجل الإصلاحالحرية والتطور. وليس هذا بالأمر المثير للتســاؤل، فأنتم ورثة رسالة، وأنتـــــم أهل رسالة، ولست أرى أنبـل منها رسالة، عندما يكون أصلها وفرعها، عربياً محمدياً هاشمياً، وعندمـا يكون عنوانها اليوم، أردنياً، وأردنياً بامتياز.

ويبقـى احتفالنا المتكرر بإذن الله، مشوبا بغُصة، ونحـن نرى الأقصى الشريف يُستباح، والقدس الشريف تنتهك، والشعب الفلسطيني الشقيق، يرزح تحت أسوأ وأبشع احتلال، فلهم منا تحية الأخوة والمساندة.

 

ويقينا، سيعود الحق لأهله، فلن يُعمر في القدس ظالم، ولن تُضام فلسطين وفي الأمة روح، وفي شعبها بعض من إرادة.نعم، سيعود الحق بإذن الله، وفي طليعة ذلك، حق العودة المقدس، بكفاح شعبها المناضل، وبمساندة الأمهْ، والأردن بقيادة جلالتكم في طليعتها دوما، وسيندحر الغازي، لتقوم دولة فلسطين الحرة، على أرض فلسطين الحرة.

 

نهنئكــــم صاحب الجلالــة، بعيد الاستقلال وذكراه، ونهنــئ شعبنـا الأردنــي الواحد، الساعي دوما، من أجل المزيد من الحرية والتطور والمنعة.

 

الرحمــة لملوك هاشميين كرام، قادوا رحلة الاستقلال والإنجاز، ومعهم كرام ضحوا وما ضنوا أبدا، والمجد للأردن الغالي.

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image